مثلما تتعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى مرتين فى العام تتجه قلوب الملايين فى شهر مارس من كل عام إلى صوت عندليب الغناء وهو الشهر الذى يشهد ذكرى وفاته فى ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل.
ففى نهاية هذا الشهر يتجدد الحب لهذا المطرب الأسطورة ومع بدايته لا صوت يعلو فوق صوت العندليب عبدالحليم حافظ بينما تتوارى كل الأصوات تقديرًا واحترامًا.
عظمة وروعة «حليم» أن صوته حاضرًا أيضًا فى معظم المناسبات الوطنية والقومية، وفى ثورتى مصر كان هو نجمها الأوحد وأغنياته هى الأصدق والأنسب والأكثر تعبيرًا عن كل الانفعالات الفارقة.. فإذا سألت أى ثائر وطنى غيور على مصر عن المطرب الأصدق تعبيرًا على الأحداث التى يشهدها الوطن سيكون هو «حليم» عابر كل الأجيال و حبيب الملايين.
لعندليب الغناء كتالوج وطنى غير مسبوق ولم ينجح أى مطرب مصرى فى اختراقه أو القفز عليه أو مجاراته بل فشلت محاولات استنساخه وتقليده ويكفى القول بأن فى ثورتى مصر لم ينجح أحد حتى الآن فى الإعلان عن نفسه ولم تفرز الأحداث من يحمل رايته وإعادة كتابة تاريخه.
«عبدالحليم حافظ» بدأ فتوحاته الوطنية بأغنية «إحنا الشعب»، وهى الأغنية الأولى التى قدمها للرئيس الخالد جمال عبدالناصر بعد اختياره شعبيًا رئيسًا للجمهورية عام 1956 وهو أول لقاء جمعه بالعمالقة كمال الطويل وصلاح جاهين، وكانت مفتاح دخول قلب الزعيم الراحل وأيضًا شعب ثورة يوليو، وفى نفس العام تقريبًا قدم أغنية «الله يا بلدنا الله على جيشك والشعب معاه» عقب العدوان الثلاثى الغاشم على مصر.. والمدهش أن الأغنية مازالت حاضرة بيننا الآن بعد العدوان الإخوانى الرخيص لهدم الدولة.. والأغنية كانت بوابة دخوله عالم الموسيقار العملاق محمد عبدالوهاب والذى أسفر عن أرشيف غنائى لم ولن يتكرر تخلله رائعة «وطنى الأكبر» بمشاركة باقة من ألمع نجوم الغناء المصرى والعربى، وهم صوت النيل شادية وكروان الشرق فايزة أحمد وشحرورة كل العصور صباح والقديرة نجاة الصغيرة والراحلة العملاقة وردة.
بين «الله يا بلدنا الله» ونشيد «وطنى الأكبر» قدم العندليب رائعته «المسيح» التى تلخص قضية القدس، كلمات الشاعر العملاق عبدالرحمن الأبنودى وألحان بليغ حمدى، وتلتها أغنية «ابنك بيقولك يا بطل» كلمات الأبنودى وألحان كمال الطويل.
وفى عام 1960قدم «حليم» «حكاية شعب» كلمات أحمد شفيق كامل وألحان كمال الطويل فى ذكرى وضع حجر الأساس لبناء مشروع القرن فى هذا الوقت «السد العالى» والتى كانت لسان حال ثوار مصر فى يناير ويونيو.
عبدالحليم وكمال الطويل قدما فى هذا التوقيت نموذجا لفريق العمل الوطنى، حيث قدما معا روائع العمل الوطنى وأبرزها «مطالب شعب» فى العيد العاشر لثورة ,52 ورائعة «صورة تحت الراية المنصورة» من كلمات صلاح جاهين والتى كانت وقود أحرار مصر فى قلب ميدان التحرير و«عدى النهار» واحلف بسماها والبندقية اتكلمت، وحتى أغنية «صباح الخير يا سينا» عام 74 وهى الراعى الرسمى لاحتفالات استرداد سيناء.
ولأن «عبدالحليم» كان شاهدًا على الفترات الحاسمة من تاريخ الوطن قدم بعد نصر أكتوبر رائعته «عاش اللى قال» ليترجم انفعالات المصريين بنصر أكتوبر العظيم وقائده الأسطورى أنور السادات.
عندليب الغناء ولدت موهبته العملاقة والفذة مع انطلاق ثورة يوليو 52 عندما قدمه فنان الشعب الراحل يوسف وهبى فى أول ظهور غنائى له وإعلانه بمولد نجم مع الثورة ليتحول إلى «مطرب الشعب» بدون منازع والمعبر الأول عن ثورته ونضاله ومراحل تحوله.
هذا هو «العندليب» الذى تحتفل أسرته بذكرى رحيله بعد أيام برعاية ابن شقيقه المطرب والمدافع الأوحد عن تراثه للأجيال الجديدة «محمد شبانة»، وهذا العام ستكون ذكرى وطنية كما حدث فى العامين الماضيين لعندليب الغناء وساحر قلوب الملايين.