من المفيد أن نذكر، أن الترجمة إلى الفرنسية كانت سُنّة اعتادها صناع السينما فى زمن الاحتلال الإنجليزى،
وذلك لأمرين: الأول لأن عدد الأجانب فى مصر كان كثيرًا وحاضرًا بقوة،
والأمر الثانى فى شأن اختار صناع الأفلام للغة الفرنسية فى الترجمة – وليست الإنجليزية –
حتى لا يسقطوا فى عار استخدام لغة المحتل، وهكذا تخفف أبو سيف فى سنة 1957
من هذه الضرورة، بعد جلاء الإنجليز تمامًا، قبل هذا التاريخ بعام، واكتفى ب
إلصاق الترجمة بكبار العاملين فى الفيلم فقط، وحرم الصغار منها.
فى البداية، نطالع عبارة بتوقيع المؤلف إحسان عبد القدوس،
منطوقها: “فى حياة كل منّا وهمٌ كبير اسمه الحب الأول”، هذه العبارة
هى التى تتكئ عليها فكرة الفيلم، وأظنك لاحظت أن مشكلات الحب الأول ازدادت مع دخول الشباب والفتيات
الجامعة بمئات الآلاف فى عهد عبد الناصر، ويبدو أنها باتت تؤرق كثيرين
من العشاق المخذولين، الأمر الذى جعل الثلاثى: إحسان وأبو سيف
وعبد الحليم، يقدمون معالجتهم الناجحة لها.
الوسادة الخالية.. رومانسية التليفون
أنت تعرف قصة الفيلم، فهو يُعرَض كثيرًا، لكننى سأذكّرك ببعض المشاهد التى ترسم صورة
لعصر وزمن، إذ كان أبناء الطبقة الوسطى يحظون بوجود التليفون فى منازلهم،
كما توضح هذه المشاهد براعة المخرج وحساسيته الرهيفة، خذ عندك: الغرام المشتع
ل بين حليم ولبنى الذى اتقد عبر أسلاك التليفون، وأظنها المرة الأولى سينمائيًّا
التى يُستَخدم فيها التليفون بهذه الكثافة للبوح والتدلّه فى الحبيب.
كذلك اللقطات الكبيرة التى رصدت حركة الأكف، وكيف تتعانق وتتشابك
فى لحظات الصفاء، لكن هذه المغازلة بالأكف توقفت حينما
خُطِبَت لبنى عبد العزيز لعمر الحريرى، إذ رفضت أن تمنح راحتها للحبيب الأول،
إنه احتشام الفتاة المصرية وتقاليدها، رغم أنها لا تحب هذا الخطيب الجديد،
ولا تنس اللقطة القريبة التى اصطادت رعشة شفتى لبنى عبد العزيز،
وهى هائمة، قبل أن تتلقّى قبلة طويلة ساخنة من العاشق المفتون.
من أهم مشاهد فيلم “الوسادة الخالية”، اللقطات التى صُوِّرت فى صحراء مترامية وخالية،
إلا من بقايا آثار قديمة على شكل مجموعة أعمدة فرعونية،
يجلس عليها العاشقان ويتناجيان، وتتعجب أن هذا المكان على أطراف مصر الجديدة،
حيث تقطن البطلة، فأين هذه الآثار الآن؟
أغنيات “الوسادة” الخالدة
لأن صلاح أبو سيف مخرج متميز، يعرف كيف يدير أدواته ليقدم للجمهور فيلمًا شيّقًا منطقيًّا ممتعًا،
فقد وضع أغنيات الفيلم فى مكانها تمامًا، فعندما طرق الحب قلب “حليم” شدا بأغنية “أول مرة تحب يا قلبى”
، وقد استخدم فيها التليفون أيضًا، والمفارقة أن الرقابة الإذاعية المتشدِّدة – فى زمن مبارك –
حذفت عبارة من الكوبليه الثالث الذى يقول: “قلبى يعيد لى كل كلامك كلمة بكلمة يعيدها عليّا/ لسه شفايفى شايله سلامك/ شايلة أمارة حبّك ليّا”، فانزعجت الرقابة من حكاية الشفايف ومحتها من الإذاعة!
أما الموسيقار بليغ حمدى فقد التقى “حليم” للمرة الأولى فى هذا الفيلم من خلال أغنية “تخونوه”،
وكذلك صدح صوت فايزة أحمد بمقاطع من أيقونة الفيلم، وأعنى أغنية
“أسمر يا أسمرانى”، التى برع أبو سيف فى توظيفها دراميًّا وموسيقيًّا، بشكل يثبت
أنه قائد قدير، كما تمكّن المخرج من تفجير طاقات عبد الحليم التمثيلية، وأخرج أفضل ما لديه.
باختصار.. “الوسادة الخالية” أفضل أفلام عبد الحليم، وأكثرها إحكامًا
وإمتاعًا، وإذا لم تتفق معى، رجاء شاهد أفلام العندليب مرة أخرى.. وقارن!