ساحر السينما العالمية عمر الشريف .. بين ملك و6 رؤساء
«أنا مع الشعب الغلبان».. بهذا الرد البسيط عبر الفنان الراحل عمر الشريف عن اتجاهاته السياسية، ومذهبه الذى اتبعه طيلة حياته التى تعاقب عليها ملك و6 رؤساء.. قاعدة لم يكتف أن تكون «مذهبه السياسى» الوحيد فقط، بل جعلها كذلك قاعدة لفنه، الذى جسد هموم المواطن المصرى، كما فى فيلم «المواطن مصرى» ومحنة الوطنية فى فيلم «فى بيتنا رجل»، وأزماته الاجتماعية كما فى «حسن ومرقص».
مشوار «الشريف» السياسى بدأ مبكراً جداً، قبل بداية مشواره الفنى، ففى العام الذى صدر فيه قرار الأمم المتحدة رقم 818 بتقسيم فلسطين 1947 لتبدأ معاناة العرب فى ورطة استعمارية وسياسية اسمها «إسرائيل»، كان لا يزال وقتها صبياً يافعاً والدته من المقربين إلى أكبر الرؤوس الحاكمة والملكية.
من الملك فاروق إلى الرئيس الراحل محمد نجيب وبعده جمال عبدالناصر ثم أنور السادات ومحمد حسنى مبارك حتى محمد مرسى وإخوانه لينتهى بعبدالفتاح السيسى، محطات سياسية عاصرتها مصر مع عمر الشريف الذى حمل لكل حاكم موقفاً ورأياً، ما بين الانتقاد والكره مثل «ناصر»، إلى الحب والاحترام مثل «السادات»، والسطحية وعدم الاكتراث مثل «مبارك»، أو الخوف من الإخوان، لكن مشاكله مع الحياة السياسية بدأت فى فيلم «فتاة مرحة» مع الممثلة اليهودية «باربرا سترايسند»، الذى تدور أحداثه فى حى يهودى ببروكلين حول علاقة شاب يهودى بفتاة يهودية، الأمر الذى أثار ضجة كبيرة بمصر والوطن العربى، خصوصاً أن قبوله للفيلم جاء فى فترة عصيبة من الصراع العربى الإسرائيلى إبان الحرب وأثناء التصوير وقعت نكسة عام 1967.
نشأته كانت فريدة؛ حيث كانت والدته على علاقة وطيدة بالملك فاروق، فكانت تعقد حلقات سمر فى منزل العائلة لنجوم المجتمع والباشوات، وكان الملك فاروق يتردد على منزلهم، بل ويلاعب والدته «البوكر»، ويروى أنه ذات مرة أراد الملك فاروق أن يراهن والدته بألف جنيه، فقالت والدة «الشريف»: «لا ما أقدرش ألعب بالمبلغ ده كله»، فرد عليها الملك: «لا هتلعبى أنا عارف حسابك فى البنك كويس»، ما يوضح العلاقة القوية بين الملك وأسرته.
وحينما قام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو عام 1952، فرح عمر الشريف بالثورة لكن سرعان ما تراجع عن حبه لـ«عبدالناصر» بسبب القيود التى فرضها على الدخول والخروج من البلاد، وتأشيرة حسن السير والسلوك للممثلين قبل السفر.
كما زاد من كره «الشريف» للراحل جمال عبدالناصر حينما زاره صلاح نصر، رجل المخابرات الأول فى عهد «عبدالناصر»، فى عمارة ليبون بالزمالك التى كان يقيم فيها مع زوجته فاتن حمامة وقتذاك، وطلب منهما أن يُطلعاه أولاً بأول على أخبار النجوم فى مصر وحدد أسماء بعينها، إضافة إلى أن يقيم علاقة عاطفية مع الفنانة السورية نضال الأشقر لدخول منزلها والتجسس على والدها ودس السم له، لكن عمر الشريف رفض التعاون الاستخباراتى هو وزوجته فاتن حمامة مع «عبدالناصر» ورجاله.
على عكس علاقته بـ«عبدالناصر» كان الجو ودياً مع «السادات»، حتى إن التواصل بينهما وصل إلى أوجه حينما اختاره «السادات» ليكون وسيطاً بينه وبين الرئيس الإسرائيلى مناحم بيجن لزيارة إسرائيل ثم توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، حيث إن «السادات» طلب منه أن يتوسط بينه وبين الإسرائيليين لفتح صفحة جديدة. وقام على الفور بالاتصال بسكرتير الرئيس الإسرائيلى ورد عليه الأخير بقبول زيارة «السادات» قائلاً: «إنه فيما لو أتى السادات إلى تل أبيب فسنستقبله كمسيح»، ثم تمت زيارة «السادات» لإسرائيل فى الأسبوع التالى من مكالمة عمر الشريف لبيجن، وعبر «الشريف» عن سروره فى أكثر من مناسبة بأنه حقق السلام بين شعبى مصر وإسرائيل.
ويقول «الشريف» فى أحد لقاءاته التليفزيونية مع إيناس الدغيدى، إنه التقى بـ«السادات» فى حفل أقيم فى البيت الأبيض، واستقبله بحرارة شديدة ودعاه لحضور حفل زفاف نجله «جمال» فى مصر، وبالفعل رحب عمر الشريف بالدعوة وحضر الحفل، ووصفه بأنه كان رئيساً محترماً.
على الرغم من قصر فترات حكم الرئيسين «عبدالناصر» و«السادات» مقارنة بالمخلوع «مبارك»، فإنه لم يكوّن علاقة مع الأخير، بل كانت سطحية إلى حد كبير، وكانت سوزان مبارك تطلب منه مرافقتها فى الحفلات خلال وجودهما بالعاصمة الفرنسية باريس، لكن «الشريف» نفسه كان يتجنبها ويتجنب إنشاء قناة تواصل مع «مبارك» لكونه يراه رئيساً فاشلاً أوقع مصر فى الفقر والفساد، حتى إنه رفض وانتقد عدم استجابة «مبارك» لمطالب «ثورة 25 يناير» بالتنحى قائلاً: «مبارك فشل فى تحسين مستوى معيشة المواطن العادى ويكفيه فترة الحكم التى قضاها»، وعن فكرة التوريث التى كان ينوى «مبارك» تنفيذها ليحكم نجله «جمال» من بعده، قال: «أتعجب كيف فكر مبارك فى هذا رغم أنه لم يحقق لشعبه شيئاً وزادهم فقراً».
وما إن انتهى عصر الفساد المباركى، حتى حل حكم الإخوان الذى وصفهم «الشريف» بأنهم استغلوا الثورة فى الوصول إلى الحكم، ليبدى تخوفه الشديد من هذه الجماعة التى يراها انتهازية إلى حد كبير وتريد تقسيم مصر كأنها «تورتة» لكن سرعان ما يحقق له الشعب فرحته الثانية بثورة 30 يوليو لينهى حكم من كان يخشى على مصر منه إذا استمر، ليرى فى الرئيس عبدالفتاح السيسى منقذاً لمصر بوطنيته وانحيازه إلى الشعب وتصحيح المسار، ليقول عنه: «أنا لا أعرف السيسى، لكنه رجل وطنى ويحب بلده والشعب كله ويعلق آمالاً عليه، والحقيقة أنه استطاع أن يعيد الهدوء إلى مصر التى يحاول الإرهاب تشويه جمالها وزعزعة اسقرارها».