جمال عبد الناصر وعبد الحليم حافظ
من وحي ذكرى ثورة 23 يوليو
الأحد | 02-08-2015 - 02:25 مساءً
وكالة وطن للانباءالكاتب د حسن عبد الله
بالرغم من إنشغلاته في قضايا عظيمة وطنية وقومية وأممية، إلا ان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد أعطى مساحة من وقته واهتمامه للفن والإبداع . وكانت خطاباته و مواقفه و شعاراته و إنجازاته ، محفزاً للفنانين المصريين، لكي يقدموا نتاجات نوعية في الموسيقى والغناء و المسرح والسينما و التلفزيون والرواية والنص المسرحي والفن التشكيلي، وكان شخصياً يتابع هذه الإنجازات ، يلتقي المبدعين بشكل دوري و يكرمَهم و يدعوهم للمزيد ، إيماناً منه بالتكامل بين السياسي والإبداعي .
و كان انهى بنفسه قطيعة بين أم كلثوم و عبد الوهاب ، التقاها معاً ودعاهما إلى نتاجات مشتركة ، حيث تم ترجمة رغبته في قمم غنائية في وقت لاحق.
وعندما تعرض عبد الحليم لمضايقات من قِبل عبد الحكيم عامر، أُنصف هذا الفنان الذي انطلقت تجربته الفنية في الخمسينيات و أصبح بامتياز مطرب الثورة من خِلال سلسلة الأغاني الوطنية التي قدمها وانتشرت في مصر والعالم العربي، وتحمس لها المواطنون و ردودها من المحيط إلى الخليج .
إلتقط المطرب الشاب الشعارات والمواقف وحولها مع فريقه إلى أغان ِ وطنية، أسهمت في رفع الذائقة الفنية والتعريف بالثورة ومبادئها بلغة غنائية مصحوبة بموسيقى راقية، أبدعها كمال الطويل والموجي وعبد الوهاب .
غنى عبد الحليم لمصر و عبد الناصر و الوحدة و الاشتراكية و السد العالي وتأميم قناة السويس والقدس وغنى ايضاً لبيت لحم ولبنان والجزائر ، غنى للعروبة و حلم الملايين بالتحرر و التنمية .
كان عبد الحليم متلاحماً مع عبد الناصر ليس في الانتصارات و الإنجازات وانما في الانتكاسات كذلك ، فبعد نكسة حزيران في العام 67، غنى لمصر مؤكداً انها
ستضمد جراحها و تنهض من جديد ، فنهضت بقرار شن حرب الإستنزاف ، الذي أعاد الثقة بالنفس للجنود و المواطنين بشكل عام ، حيث أسس هذا النهوض لاكتوبر 73 الذي بدأ عبد الناصر في وضع أساساته القومية بعد نكسة 67 مباشرة .
إستند عبد الناصر إلى جبهة ثقافية وإبداعية شكلت رافعة للسياسي ، و عمقّت أبعاده ، ولم تتفكك هذه الجبهة برحيل عبد الناصر ، ولم يستطع السادات توظيفها في خدمة توجهاته السياسية و انفتاحه على الغرب . وعندما وقع اتفاقية "كامب ديفيد"، فشل في جعل الجانب الثقافي والإبداعي الفني ميسّراً او حاملاً لـ "مشروعه" الذي نقل تحالفات مصر من الساحة التحررية والتقدمية العالمية إلى ساحة التابع للغرب المثقّل بالديون و الاشتراطات و التعقيدات .
ظلت هذه الجبهة و إلى حد ٍ بعيد مناهضة، لـ "كامب ديفيد" ،و لم تنخرط في التطبيع ، وانما تعاملت مع ذلك على انه من المحرمات ، وراح اعضاء نقابة الفنانين و اتحاد الكتاب و نقابة الصحفيين يتصدون لكل من سعى للخروج عن ثوابتهم بالفصل والعزل، لينخرط الجسم الثقافي والابداعي لاحقاً في النضال ضد مبارك و يلتف حول مطالب الثورة .
القومية العربية والوحدة وبالرغم من الاستهداف الكبير للدول العربية، ما انفكت توحد وتنظم فناني ومثقفي واعلاميي ومبدعي مصر ، لا سيما وان الثورة قد أعادت الاعتبار للبعد القومي ، و هذا ما تجلى ايضاً في هذا العام في ذكرى ثورة يوليو التي قادها عبد الناصر والضباط الأحرار ، فيما الاعلام المصري أخذ يستعيد محطات مضيئة و مشرفة في تاريخ مصر في فترة عبد الناصر لتعود إلى الصدارة مجدداً أغاني عبد الحليم حافظ الوطنية و القومية ، وكأنها ولدت للتو ، أما سر بقاء و استمرار هذه الأغاني نلخصه في الآتي:-
أولاً لأنها راقية على المستوى الفني المهني من حيث الكلمات والأداء و اللحن .
ثانياً : و لأنها حصيلة وعي فكري و سياسي و ليست مجرد كلمات قيلت و حسب ، مثل تلك الأغاني التي تفرقع ثم تنتهي فجأة.
ثالثاً : تبنيها لمشروع قومي وتنموي، صحيح أنه تعرض لتراجع وتقهقر، الا انه لم ينته كتوجه و حلم .
رابعاً : توثيقها وتأريخها لمرحلة حاول السادات ومبارك محوها، لكنهما أخفقا، فالمرحلة قد اختزلت وكثفت عِزة مصر والعرب، وهي الآن مصدر قوة وإلهام أمام مخططات تفكيك الدولة العربية القطرية وتحويلها إلى دويلات طائفية يحرق بعضها بعضاً.
رحل عبد الناصر و رحل عبد الحليم حافظ و بقي الإبداع ، و بقي الحلم المعبر عنه في أغان ٍ خالدة ، ترجمت السياسة بادوات الفن ، و بسّطت الشعار و سهلت استيعابه من خلال كلمات و قوالب فنية طربية حولت طروحات عبد الناصر إلى لغة مفهومة مستوعبة يتم ترديدها في الحواري والمقاهي و البيوت والتجمعات .