في حوارات له.. العندليب: لا أومن بالحسد ولا بقراءة الفنجان
الإثنين، 30 مارس 2015 06:55 م
1عن شبكة الاعلام العربية
كتبت : رهام محمود
أكد الفنان عبد الحليم حافظ في حوار تليفزيوني له مع الفنانة نيللي والفنان سمير صبري أنه لا يؤمن بقراءة الفنجان، كما أنه لا يؤمن بالحسد.
وأكد أن مستوى كلمات الأغنية أنخفض إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة التي عاشها (1929 – 1977)، لكن ليس هذا هو السبب الذي يجعله يلجأ إلى الشعر في اختيار كلمات أغانية؛ حيث أنه يختار ما هو جميل سواء في الشعر أو العامية.
والعندليب الأسمر الذي تمر اليوم 38 سنة على ذكرى وفاته، حكا في نفس الحوار عن خلاف حدث بينه وبين الملحن الكبير بليغ حمدي، حينما كان من المفترض أن يغني ثلاثة أغاني جديدة، ضمنهم أغنية لحنها بليغ، لكن ظروف حليم الصحية لم تسمح له إلا بغناء أغنية واحدة جديدة كما أمره الطبيب، وقال حليم: “زعل بليغ أني ماغنتش غنوته.. بليغ نسي كل حاجة إلا أنه في صحة.. عبدالوهاب كان لحنه جاهز مائة بالمائة، لكن الطبيب قالي لا تغني أغنيتين جديدتين في الحفلة، وكان الموجي بدأ بروفات أغنيته، فكان رد فعل عبد الوهاب أنه قالي “مايهمنيش إلا صحتك.. والأغنية لو ماتغنتش الشهر دة هاتتغنى في الشهر اللي جاي أو الشهر التاني أو التالت، المهم عندي صحتك”.
إحساسه بالخوف
وقال عبدالحليم أنه بعد الانتهاء من أي حفلة غنى بها لم يذهب على الفور إلى منزله؛ وذلك بسبب خوفه من الاستماع إلى أغنيته الجديدة، لكنه يسمعها في أوقات لاحقة، ويترك الناس في البداية يقولون له رأيهم، وبعد فترة يستمع إلى الأغنية ويشعر بالحقيقة، ويعرف من كان يجامله ومن قال له الصدق.
وأكد في حوار آخر له هذا الخوف قائلاً: “كنت بترعش ولم أنام قبل حفل “قارئة الفنجان” بيومين، وكأني بغني لأول مرة، وعندي حاجات حتى الآن لم تخرج، ولم اسميها، ولحين أن تخرج أشعر أنني لم أفعل شيء”.
وأشار عبد الحليم إلى أن هناك مقاطع كثيرة في أغانيه تعبر عنه، إحداهم: “دورك أن تمضي أبدا في بحر الحب بغير طلوع.. وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع”.
حفل أم كلثوم
في صيف 1964 حينما غنت أم كلثوم وعبد الحليم في حفل واحد، علق العندليب في أحد البرامج قائلاً: “منتهى الجرأة أن حد يغني أو يختم حفلة غنت فيها أم كلثوم، وخصوصا بعدما غنت اللحن العظيم الأولاني لحن “أنت عمري”، لكني لا أعرف لماذا أصر الأستاذ عبد الوهاب وأم كلثوم على أنني أختم الحفل؟، ومش عارف دة شرف ولا مقلب؟”.
كيف يحافظ المطرب على مكانته؟
وفي حوار تليفزيوني آخر له، أجراه في عام 1973، تحدث عبد الحليم حافظ عن مواصفات المطرب الناجح، والأشياء التي تجلعه يحافظ على مكانته قائلاً: “يجب على المطرب الشاب بن يكون مرآة لما يحدث للجماهير الذي يعيش وسطهم.. تقديم الجديد.. تطوير النفس دائما.. لا يقف عند شيء معين ويقول أنا اكتفيت بذلك، لابد أن يغير كل فترة في أداءه وألحانه وكلماته التي يختارها، وهذا ما يجعل الفنان يحافظ على مكانته، وأيضا طريقة تعامله مع الجماهير لابد أن يكون واحدا منهم”.
وأضاف حليم: “تحدد قيمة الفنان ومكانته، موهبته ودراسته وأعماقه، فمن الممكن أن تخلق فنان على ورق، وتكتب عن فنان حتى يملأ اسمه الدنيا وينتج لهم الأفلام، وكم من الأشخاص الذين خرجوا وأنتجت لهم أفلام حتى ينافسوا عبدالحليم حافظ وغيره، لكن في النهاية كل هؤلاء تحددهم موهبتهم الحقيقية، فالأستاذ هاني شاكر أو محرم فؤاد أو عبداللطيف التلباني أو ماهر العطار، هؤلاء أنتجت لهم أفلام وسينتج لهم مجددا؛ لأنه لا يستطيع منتج أن يأتي بعبد الحليم حافظ وينتج له فيلم كل شهر ويعطي له 50 ألف جنيه، فأنا وصل أجري في الفيلم 50 ألف جنيه، أيضا أنا لا استطيع أن أقدم فيلم كل شهر أو شهرين أو ثلاثة شهور، فأنا أقدم فيلم كل عامين أو ثلاثة، والمجال متسع للجميع!، وأنا رجل كنت مريض لمدة أربع سنوات لا أغني ولا أمثل ولا أي شيء ويقولون أنني أغلق الطريق على الناس فكيف وأنا مريض؟!! من يريد إظهار موهبته فليظهرها!!، لكن لا يظهرها على أكتاف الآخرين، فالفن ليس به كل هذه الأمور، ومن عنده موهبة ستصل للجمهولا؛ فأنا استمريت أغني لفترة حوالي ثلاث سنوات ولم يكتب عني أحد، لكن هل يعني هذا أن الناس لم تلتفت لصوتي؟ً”.
عن والدته
وأكد عبد الحليم في نفس الحوار أن فيلم “حكاية حب” به جزء من حياته الشخصية، لكنه مثلا لم يرى والدته قط، فهي توفيت في ولادته”.
الأغنية العربية
ورأى عبد الحليم أن الأغنية العربية تطورت كثيرا خلال العشرين عام الماضية- قبل عام 1975 – “عندما خرجنا حبينا نبسط الأداء حتى لا يكون معقد، فكل من يشعر أنه يستطيع أن يغني، فليغني، وأعتقد أن ده هايزيد مع الأيام، وأن الغنوة لم تكون بالطول الحالي، وإن كان مازالت الجماهير العربية تحب الأغنية الطويلة لكن هذا سيقل مع الزمن، وأتصور أن الموسيقى العربية ستدخل في المجال العالمي في أنها ستتخذ الطريقة العلمية في صناعة الأغنية وصناعة الموسيقى نفسها، فالموسيقى خلق جملة، ويدخل العلم ليطور هذه الجملة”.
المواهب الغنائية
وقال العندليب في حوار آخر له أنه يجب على كل فنان يكتشف موهبة أن يقدمها ويساعدها، وأن “المسئولية لم تقع على بمفردي بل على الإذاعة والتليفزيون.. كان يوجد زمان ركن هواة، وكان نواة لظهور فنانين كبار منهم ماهر العطار وبليغ حمدي الذي قدم نفسه في البداية على أساس أنه مطرب؛ ولذلك لابد من وجود ركن في التليفزيون يقدم المواهب سواء في التمثيل أو الغناء أو أي موهبة”.
يواصل عبد الحليم: “شاهدت في إنجلترا برامج تجمع المواهب من كل المحافظات، وتقدمها في برنامج يبعث الجمهور فيه مراسلات لمن يريدون فوزه”.
حفل “قارئة الفنجان”
انتقد عدد كبير من الصحف والمجلات عبدالحليم حافظ في الحفل الذي غنى فيه “قارئة الفنجان”؛ حيث تعصب على الجمهور، وفي هذا الشأن قال حليم في حوار له: “تعصبت على عشرين شخص فقط، ولم أفعل ذلك مع الجمهور، فكلما أقول كلمة يقولون الصوت، وذلك في “قارئة الفنجات” تحديدا؛ لأنني كنت أغني قبلها أغنية “عاش” ولم يحدث هذا!، وسكت كذا مرة، فرددوا الصوت، فقلت لهم طب أنا ماقلتش حاجة علشان تقولوا الصوت؟!!، وكان يجب عليا في البداية ألا أنكر فضل الملحن والشاعر والفرقة، وكل ماجي أقدمهم يصفروا بصفافير ملاعب، فقلت لهم “بس بقا”، ووجدتها تاني يوم شتيمة في الجرائد؛ ولأن الناس في الحفلة كانوا حاسين أن في ناس عايزة تعمل فوضى صفقوا لي، ثم غنيت الكوبلية الأول ثم الثاني والثالث وطول ما أنا أغني أسمع صفارة طول لدرجة أنني نسيت الكلام، فجعلت التلحين يكمل حتى أجمع الكلمات في ذهني، ثم قلت لهم لو على التصفير أن أعرف أصفر بردو وأتكلم وأهيص، فأنا حدث لي في الحفلات أشياء كثيرة مثل هذا، لكنه لم يكن مقصود، وكانوا الناس يفعلون ذلك بإحساسهم وعندما أقول لهم “معلش بقا نسمع” فكانوا يستجيبوا لي ويصمتوا، لكنني قلت هذا الكلام ولا يستجيب لي أحد، ومنهم من أتى لي ببدلة بها فنجان هنا وفنجان هنا وزجاجة كوكاكولا بليتشو يعني!! ياريت كان جالي في غرفتي بدلا من المسرح، لكنني في لحظة كنت أغني ووجدت الناس تنظر للبدلة!!، فكلمت “بس بقا” مش جريمة”.
وأضاف العندليب: “وبعض الصحافيين قالوا أنه لابد يكون هناك آداب استماع، وخصوصا أنني أغني منذ 23 عاما ونجحت في أن تكون هناك علاقة جيدة بيني وبين الجمهور، لكن هناك صحافيين يريدوا أن يستعدوا علي الجمهور، وكل ما يكتب في مصر يعرض على الدول العربية، فهناك دولة تزم في فنانينها!! على الرغم من أنني لم أذهب أي دولة عربية وإلا أجدهم يمدحون فنانيهم، مثل ما يحدث مع فيروز ووديع الصافي وصباح في لبنان، بيقدروهم وبيقولوا أنهم ثروة، لكن لنفرض أني أخطأت، فصحافة بلدي تدافع عني، ولا تعطي الفرصة لجميع صحف العالم العربي أن يهاجموني ويستعدوا علي الجمهور، فأنا حينما أتعب في غنوة لفترة ثلاث سنوات أفعل ذلك علشان أقدم فن مافيهوش أي غش للجمهور، بل فن جيد يستمتع به الجمهور، وألا يقولوا أن مصر تغني الأغاني الركيكة كما يكتب، لكن مصر تغني وبها فنانين يقدموا أعمالا جيدة”.
وتابع عبد الحليم في حديثه عن هذه الواقعة: “أنيس منصور كتب نقد أحييه عليه، قال أنه فعلا أننا من نعطي الفرصة للجمهور ليهرج علينا، فأما نقول “بص شوف حليم بيعمل” بنفرح، ودة غلط، لأنني لم أفعل شيء، فهذا ما يجب أن أؤديه تجاه بلدي وجمهوري الذي يحترمني، ولا يجب أن يحطم الصحفيين ما حصلنا عليه من نياشين، فلو أخطأنا يأتوا بالفنان ويحاكموه في ندوة أو مؤتمر، لكن ماننشر دة أمام العالم، فليه كل يوم نكون صفحة أولى؟!.
صلاح جاهين قال لي كنت أفضل لو تركت المسرح وخرجت، أو تترك الجمهور اللي دفعت فلوس تخرج هؤلاء المدسوسين، لكنني لم يكن عندي أعصاب لذلك، وكان عندي خوف على العمل الذي أقدمه فقلت “بس بقا” وهذه الجملة عمرها ماكانت جريمة ولا شتيمة. وقالوا أنني أشرب مياة، وأنا لم أغني أي أغني إلا وأنا أشرب ماء وأضعها أمامي لأنني مريض وأتناول دواء، فأشمعنى هذه المرة قالوا هذا. وأنا لم أدافع عن نفسي بهذا الحديث مطلقا، لكن فني هو الذي سيدافع عني، وحب الجمهور أيضا”.
حياته الشخصية
وحكى عبدالحليم عن حياته الشخصية وقال: “بغني وأنا صغير، وأخي إسماعيل كان يغني، ومحمد أيضا وعليه صوتهم جيد، لكن البنات في البلد مابيغنوش فيها قطع رقاب. وعندما حصلت على الإبتدائية قلت لهم أنني أريد أن أدرس موسيقى، فأتيت لمعهد الموسيقى العربية ودرست “أصوات”، وعندما انتقلت للمعهد العالي قلت أريد أن أتعلم آلات، علشان لما أوجه الفرقة أكون عارف في الموسيقى، ودرست “الأوبوا” وكنت الأول على دفعتي، وكنت سأرسل في بعثة لكن واحد تاني سفروه غيري بالواسطة وكان بعدي بخمسة أو ستة، وأشتغلت مدرس موسيقى في طنطا والمحلة والزقازيق، ووجدت أني مش قادر على الروتين، ود. نجيب هاشم كان وزير المعارف أيامها وكنت تأخرت في الوصول للمدرسة، فقال “ليه أتأخرت؟”، فقلت له مش قادر على الروتين، فقال لي “خلاص نرفدك”، فقلت له “طيب” ، وانتقلت لأوركسترا الإذاعة والتليفزيون” وبعدها للغناء”.
ما يتمناه عبد الحليم
أما عن الأمنية التي كان يتمناها عبد الحليم حافظ، ففق: “ادعي دايما أن ربنا يكفيني شر الغرور، لأنه شر يدمر الإنسان. وعندي الكثير في أعماقي ونفسي أخرجه، ممكن يخرج في الأداء، فهو إحساس أكبر من الكلام”.
عن الزواج
وأكد حليم أنه فكر مرة واحدة في الزواج “حبيت إنسانة وحبتني، والقدر لم يريد أن نكون لبعض، ولم تكن من الوسط الفني، ولم يكن عيب أن أتزوج من الوسط الفني، وأنا في حالة حب حالياً لكني مابفكرش في الزواج”.
تدخله في اللحن والكلمات
أما عن تدخله في ألحان أو كلمات أغانيه، فقال حليم: “المطرب يتحمل مسئولية الكاتب والملحن؛ فأنا المسئول أمام الناس، ويمكن هذا ما خرجني عن شعوري في حفلة “قارئة الفنجان”؛ لأنني أعرف أن اللحن كان صعب جداً، وأردت أن يستمع له الجمهور. وأنا لا أتدخل في التلحين لأنني ليس ملحن، ولكن لأنني من أغني فلو وجد ما لا أستطيع قوله لابد أن أقوله للملحن، ولو هناك خطأ في التلحين لا يعرفه الملحن وأنا أعرفه من خلال دراستي للموسيقى أقوله له وهذا ليس خطأ، لماذا نسميه تدخل؟! حتى الكلمات لا اعتبرها تغيير، لأن الشاعر يكتب وتوقفك بعض الكلمات فمثلا “ياولدي قد مات شهيدا من مات على دين المحبوب” لا أستطيع أن أقولها، والأستاذ نزار قباني نفسه قدر هذا وقال لي نجعلها “من مات فداءا للمحبوب”.
وهكذا كان يحكي الفنان الكبير عبد الحليم حافظ ببساطة واعتزاز بالنفس في جميع لقاءاته التليفزيونية؛ حيث يشعر الجمهور بصدقه، والذي عاش بأغانيه وأفلامه في بيوت المصريين بل والعالم العربي أجمع، ومازالت الأجيال الجديدة تردد أغانية لأنها تعبر عنهم على الرغم من أنهم لم يعايشوه؛ فهو توفي منذ 38 عاما في 30 مارس 2015، لكنه ترك ميراثاً فنياً كبيراً مازالت تتعطش إليه الأجيال.. العندليب الأسمر الذي قدم أسلوباً غنائياً جديداً وسحب البساط من عمالقة الغناء، بأسلوبه التعبيري الجميل سواء في أداءه لأغنياته، أو في التمثيل بأفلامه.