معنى السلام
قال ابن الأثير في النهاية: ( والسلام في الأصل السلامة ، يقال: سلم يسلم سلامة وسلاما ، ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات ) .
والسلام: يطلق على عدة معان ، منها: أنه اسم من أسماء الله تعالى ، ومنها: التحية ، ومنها: التسليم ، ومنها: السلامة والبراءة من العيوب ، ومنها: الأمان ، ومنها: الصلح .
مر بنا قبل قليل أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، ومعناه: سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء ، ومعنى سلام المؤمن على أخيه المؤمن: الأمان ، أو معناه: عليك عناية الله وحفظه ، وقيل غير ذلك .
وهذه التحية التي يتداولها المسلمون اليوم هي تحية أبيهم آدم عليه السلام:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فلما خلقه -أي آدم عليه السلام- قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 311)
وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم ، فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله ، فزادوه: ورحمة الله الحديث.
وليس المراد من قوله: (فسلم) الوجوب ، لأنها واقعة حال لا عموم لها .
فابتداء السلام سنة ، ورده واجب ، فإذا كان المسلم جماعة فيكون سنة كفاية في حقهم ، فمن سلم منهم حصلت سنة السلام .
وإذا كان المسلم عليه أكثر من واحد كان الرد عليهم فرض كفاية ، فإذا رد واحد عنهم سقط الرد عن الآخرين .
فالمبتدئ يكفيه أن يقول: السلام عليكم ، وأكمله أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما المجيب فلو اقتصر في الرد على قوله: وعليك ، جاز ، لكن الأفضل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لقوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا .
مر بنا قبل قليل أن المجيب إذا اقتصر في الرد على قوله: وعليك ، أجزأه ، لكنه في هذا الجواب قد غرر بأخيه المسلم:
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 312)
لا غرار في صلاة ولا تسليم واختلف العلماء في تفسير (ولا تسليم) ، فمن نصبه جعله معطوفا على (غرار) ، وحينئذ يكون المعنى: لا نقص ولا تسليم في صلاة ومن جره جعله معطوفا على (صلاة) ، ويكون معناه ، كما قال الخطابي -كما في شرح السنة-: ( أصل الغرار: نقصان لبن الناقة ، فقوله: ( لا غرار) أي لا نقصان في التسليم ، ومعناه: أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه ، مثل أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله ، فتقول: وعليكم السلام ورحمة الله ، ولا تقتصر على أن تقول: عليكم السلام أو عليكم ) .
أما ما يقوله بعض المسلمين في عصرنا عندما يسلم عليه فيجيب بقوله: هلا ، أو حياك الله ، أو مرحبتين ، ونحو ذلك ، فليس هذا جوابا كافيا في الرد ، ويكون بهذا الجواب آثما ، لأمرين:
الأمر الأول: لأنه لم يرد بالجواب المشروع الذي شرعه الإسلام .
الأمر الثاني: لأنه ابتدع قولا لم يعهد في السنة النبوية .
وهذا السلام الذي أكرم الله به هذه الأمة ، وجعله من
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 313)
مميزاتها ومناقبها ، فإن اليهود حسدوا المسلمين عليه:
3 - عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين وهذا الحديث لا يتعارض مع الحديث الأول الذي مر بنا؛ لأن المراد بالذرية البعض وهم المسلمون ، أو أن من جاء بعد آدم عليه السلام تركوا هذه التحية ، وعندما جاء الإسلام أحياها .
وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم سلم ثلاث مرات:
4 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي : أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا .
وتكرار السلام يكون عند الاستئذان ، أما إذا كان مارا أو داخلا فلا يكرر بل السنة أن يسلم مرة واحدة ، إلا إذا كان الجمع كبيرا وأراد أن يسمع الجمع فحينئذ يشرع له التكرار وكان الصحابة رضي الله عنهم يكررون السلام في الاستئذان ، لأن بيوتهم كانت مكشوفة ليست لها أسوار ، فالذي يأتي منهم يقف بجانب الباب فيسلم ، فإن أذن له دخل وسلم أيضا ، وإن
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 314)
لم يؤذن له سلم ثانية ، فإن أذن له دخل وسلم ، وإلا سلم ثالثة فإن أذن له دخل وسلم ، وإلا رجع .
وقد بينت لنا السنة النبوية صيغ السلام وما لكل صيغة من ثواب:
5 - فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر ، ثم جاء آخر ، فقال: السلام عليكم ورحمة الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشرون ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثون قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه -كما في الفتح- : انتهى السلام إلى (وبركاته ) ، وذهب إلى ذلك أيضا ابن
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 315)
عباس .
6 - قال محمد بن عمرو بن عطاء : (كنت جالسا عند عبد الله بن عباس ، فدخل عليه رجل من أهل اليمن ، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم زاد شيئا في ذلك ، قال ابن عباس -وهو يومئذ قد ذهب بصره-: من هذا؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك ، فعرفوه إياه ، قال: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن السلام انتهى إلى البركة) أما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد كان يرى جواز الزيادة والأولى أن لا يزيد المسلم ، ويتمسك بالسنة كما جاءت من غير زيادة ولا نقصان فهو أفضل وأسلم .
أما تغيير صفة السلام المشروعة ، كأن يقول: عليك السلام ، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك:
7 - قال جابر بن سليم : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت: عليك السلام يا رسول الله ، قال: لا تقل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الموتى
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 316)
وليس المراد من هذا أن السنة في تحية الموتى أن يقال: عليكم السلام ، بل هذا إشارة إلى ما جرت به العادة في تحية الأموات ، بتقديم الاسم على الدعاء ، كما قال الشماخ :
عليــــك ســــلام مـــن أمـــير وبـــاركت يـد اللـــه فـــي ذلــك الأديــم الممــزق
فتحية الأحياء والأموات سواء لا تختلف كما سيأتي معنا إن شاء الله .
أما إذا كان الدعاء في الشر فيقدم اسم المدعو عليه ، فيقال: عليه لعنة الله .
قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، ويجوز في (السلام) لغتان ، فيجوز أن نقول: سلام عليكم ، ويجوز أن نقول: السلام عليكم ، وتكون الألف واللام للتفخيم وإذا سلم المسلم على أخيه المسلم فلا مانع أن يصافحه ، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة:
8 - قال كعب بن مالك : (دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني)
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 317)
9 - وقال قتادة : قلت لأنس (أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم) وهذه المصافحة أصلها من أهل اليمن :
10 - قال أنس لما جاء أهل اليمن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم أهل اليمن ، وهم أول من جاء بالمصافحة .
فمن سلم على أخيه المسلم وصافحه فإن الله تعالى يغفر له ذنوبه:
11 - فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا وزاد أبو داود : وحمدا الله واستغفراه
وقد استحب
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 318)
المصافحة غير واحد من أهل العلم .
قال الإمام النووي -كما في الفتح-: ( المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي ) وقال ابن بطال : ( الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة ، وذلك مستحب عند العلماء ، وإنما اختلفوا في تقبيل اليد ، فأنكره مالك ، وأنكر ما روي فيه ) .
أما المصافحة بعد الصلوات فهي من البدع المحدثة ، وإن قال قائل: إن هذا العمل أصله سنة ، فلا يخرج هذا العمل عن السنة .
فالجواب: أن صلاة النفل مشروعة في كل وقمت ما عدا الأوقات المنهي عنها ، لكن لو خصص المصلي وقتا يصلي فيه فهو مكروه ، وكذلك صلاة الرغائب فهي من البدع المحرمة ، ولا يقال: إن أصلها سنة ، فما من شيء إلا وله أصل في الشرع
مجلة البحوث الاسلامية