وبالقياس إلى ذلك في كواليس حياته الفنية سواء في الغناء والسينما بالإضافة إلى سر "كاريزما" العندليب، التي جعلت منه في وقت قصير امتد إلى وقت طويل "نجم الجماهير الأول"، وصاحب أقصر طريق إلى قلوب الجماهير قبل آذانهم.
لم يكن العندليب هو أكثر أبناء عصره أو ما بعد عصره موهبة، ولكنه كان أكثرهم "صدقا " وجهدا وإصرارا جعل منه نموذجا في "التحدّي" لتحقيق الحلم بداية من تحدي ظروفه الاجتماعية والمادية إلى التحدي الأكبر في تحقيق ذاته وسط عمالقة الغناء في ذلك الوقت ومحاولة البحث عن "نصف فرصة" للظهور.
واستمر التحدي في حياة ومسيرة العندليب حتى بعد أن حصل على فرصته الكاملة في الصعود على خشبة المسرح وتقديم نفسه لأول مرة، والتي كان من المفترض أن تشهد أيضا نهاية حلمه ومسيرته الفنية إلى الأبد بعد ما لاقاه من "شتائم" ونقد ومعاملة سيئة للجمهور بعد غنائه "صافيني مرة" في الإسكندرية، ولكنها زادت عبد الحليم حافظ إصرارا على تحقيق حلمه والاستمرار في تقديم "لونه الغنائي" الجريء والجديد في ذلك الوقت.
ولعل من أدق الأوصاف التي قد يستحقها العندليب هو "المطرب الثوري"، نظرا لما أحدثه من ثورة في عالم الغناء في ذلك الوقت إلى الآن، غيّر مفاهيم الغناء بأغنيته الغزلية العاطفية البسيطة والتي كان معظمها أقرب إلى "الحدوتة المصرية البسيطة"، وصمم على تقديمها واستمرارها إلى أن أصبحت "نموذجا" للأغنية العاطفية أو رمزا للأغنية المصرية الحديثة.
بخلاف الثورة الغنائية التي قادها عبد الحليم في الغناء كان أيضا "مطربا للثورة"، بعد أن كرّس فنّه في الغناء لثورة 1952، والتي أبرزت –حقيقة– مفهوما ذكيا وجديدا في الأغنية الوطنية، والتي جعل منها أغنية صالحة لكل الأزمان والعصور، وظهر ذلك بشكل واضح بعد قيام ثورة 25 يناير حيث استدعت ذاكرة المصريين أغاني العندليب الثورية والوطنية مثل "فدائي" و"صورة " و"عدّى النهار" وغيرها.
قدم عبد الحليم حافظ نموذجا فريدا وناجحا في الأغنية الوطنية بشكل عام، بين الأغنية ملتهبة الحماس مثل "خلّي السلاح صاحي" و"أحلف بسماها" إلى الأغنية "الوطنية_العاطفية" مثل "صورة" و"عدّى النهار"، وكذلك الأغنية التاريخية لتلك الفترة مثل "حكاية شعب" والتي روى فيها معاناة مصر في ذلك الوقت أمام الاستعمار الأجنبي والعدوان الثلاثي وبناء السد العالي.
وبخلاف ذلك، ظل رمزا للأغنية العاطفية ونموذجا متبعا من الأجيال الجديدة من بعده، بالإضافة إلى كونه صاحب حجر الأساس في "الأغنية الجديدة" بسيطة الكلمات والألحان وقصيرة الوقت.
لا أحد يستطيع أن يفسر سر تعلق قلوب الجماهير بعد الحليم حافظ على مدار فترة ظهوره وتألقه إلى الآن، والتي وصلت إلى مرحلة شديدة التطرف بالتعلق الشخصي به بخلاف فنّه، ربما لكونه نموذجا شبه خيالي في الصعود وتحقيق الحلم أو ربما لملامحه المصرية البسيطة الفرحة والممزوجة بآلام الوطن والجسد.