بالصور 37 على رحيل العندليب وبيته ما زال يعزف لحن الوفاء

كتب - محمد إسماعيل

تتعاقب الأجيال، وتمضي الأيام ويمر 37 عامًا، على رحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الغائب الحاضر، نتذكر اسمه وسرعان ما تتهافت علينا أصداء أغنياته العاطفية والوطنية والدينية التي أسهمت في تشكيل وجدان أجيال من الشعب المصري والشعوب العربية.

وكما جرت العادة لمناسبة ذكرى رحيل "العندليب الأسمر" تفتح أبواب شقته، الكائنة في "شارع حسن صبري"، والمطلة على "حديقة الأسماك"، والتي تحمل الرقم 72، ولا تزال أغراض عبد الحليم حافظ في أمكنتها:جهاز تشغيل الأسطوانات كان الأقرب إلى قلبه، فضلاً عن المذياع الذي كان يستمع من خلاله إلى إذاعة الـ"بي بي سي"، والملابس التي كان يرتديها في حفلاته الموسيقيّة وبطولاته السينمائيّة، وآلة البيانو التي تسكن غرفة نومه.
عندما تقف أما البيت يلفت انتباهك الكتابات التي خطّها آلاف المعجبين على جدران مدخله، منذ عشرات السنين، وبعد أن تطأ قدماك قسم الاستقبال تجد نفسك في قسم الاستقبال الذي يتألف من 4 صالونات كلاسيكية؛ ففي الصالون الأول، أريكة وزوجان من المقاعد و4 كراس. وتفترش الأرضية سجادة مشغولة من الصوف. كما يبرز المذياع الذي كان يستمع من خلاله حليم إلى إذاعة الـ"بي بي سي".

أما الصالون الثاني فتشغله جلسة كلاسيكية تكثر فيها الطاولات المذهبة، وتعلق صورة "العندليب" على أحد جدرانها.

غرفة النوم..
لا تزال كما تركها، باستثناء الجدران، التي تبدو عليها ملامح التجديد، وهي تجاور باب الشقة وتشرف على حديقة الأسماك.
ويحمل السرير الكلاسيكي علامة داكنة عند الرأس تكونت نتيجة إسناد رأس "العندليب" إليها، خشية أن يصاب بالنزيف، إذا نام بصورة طبيعية، علمًا بأنه كان يعاني من "البلهارسيا"، ويجاوره، على طاولة متحركة، جهاز الراديو الذي كان يسجل أغنياته ويستمع عبره إلى ألوان الموسيقى، واللافت أن آلة البيانو لا تزال تحمل بصماته!

دولاب العندليب..
عند فتح خزانة ملابسه تتفاجأ بأنها لم تتبدل، بل بقيت كما كان يرتبها بنفسه، علمًا بأنه كان يحتفظ بالملابس التي يرتديها أثناء تصوير أفلامه السينمائية، وأبرزها سترة زرقاء ذات ياقة بيضاء، ارتداها أثناء بطولته الأولى لفيلم "لحن الوفاء".

الأوسمة والنياشين تحيط بالعندليب..
وطوال مشوار "حليم"، الفني شارك في العديد من المناسبات الوطنية في مصر والوطن العربي ما جعله ينال العديد من الأوسمة والنياشين نتيجة جهوده ومشاركته في هذه المناسبات، فمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حصل على نيشان السد العالي، بعد اشتراكه في الحفل الذي أقيم لمناسبة البدء في بناء السد العالي بأسوان وتبرعه بأجره لهذا المشروع القومي وغنى حليم في الحفل أغنية قولنا هانبني، كما نال من الملك الحسن عاهل المغرب، وسام العرش من الطبقة الثالثة في مارس 1972 لمناسبة عيد استقلال المغرب، ومن الملك حسين عاهل الأردن حصل على نيشان الاستقلال من الدرجة الأولى العام 1970 في احتفال الأردن بعيد الاستقلال وكان حليم يحرص على إبراز هذه الأوسمة والنياشين في صالون شقته بالزمالك اعتزازًا بها.

ألقاب.. العندليب / مطرب الثورة
أطلق عليه العديد من الألقاب أهمها "العندليب الأسمر"، و"ابن الثورة"، نسبة إلى ثورة 1952، حيث لقي قبولاً لدى قيادة ثورة يوليو 1952 التي وجدت أمامها مطربًا شابًا يحاول اعتماد أوراق شهراته كأي شاب يتقدم بأوراقه إلى وزارة القوى العاملة، وفـي ظل أبوية القائد التي جسدها "الريس" جمال عبد الناصر، ورمز الأمومة الذي لعبته "الست" أم كلثوم، اكتملت الدائرة بالابن الذي يتعاطف معه الجميع، وهو ما تقمصه العندليب عبد الحليم، وبالفعل تم قبول أوراق عبد الحليم، خاصةً بعد أن تبين للجميع أن هذا الصوت الغنائي يستطيع تعويض ضعف حنجرته ومحدودية مقامات صوته، بالجاذبية التي تكمن فـي نبرات هذا الصوت، ويستطيع الميكروفون تجسيمها.
لم تكد تنجح ثورة يوليو 1952، حتى بدأ عبد الحليم مسيرته فـي تقديم الأغنيات الوطنية بنشيد "العهد الجديد"، بالاشتراك مع عصمت عبد العليم، تأليف محمود عبد الحي وتلحين توفيق عبد الحميد زكي، وكان ترجمة غنائية لشعار "الاتحاد والنظام والعمل" الذي نادى به الرئيس محمد نجيب.
والأغنية الثانية "وفاء"، كلمات محمد حلاوة وألحان محمد الموجي، والثالثة "بدلتي الزرقا" كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان عبد الحميد توفيق زكي، ثم أغنية "ثورتنا المصرية.. أهدافها الحرية، وعدالة اجتماعية، ونزاهة وطنية".

واحد وستين عملية جراحية في حياة عبد الحليم..
توفي العندليب عام 1977 عن عمر يناهز 48 عاما، بعد صراع طويل مع مرض البلهارسيا الذي سبب له تليفا في الكبد، واكتشف حليم مرضه عام 1956، وبعد حوالي 20 عامًا من اكتشاف المرض الذي لم يكن له علاج حينها توفي العندليب في مستشفى "سان جيمس" في لندن تاركًا خلفه تراثًا غنائيًا كبيرًا، وعلى الرغم من أنه أجرى خلال حياته واحد وستين عملية جراحية إلا أن عبد الحليم لم يستطع أن يقاوم المرض الذي أزهق أنفاسه في الغربة، فكانت وفاة عبد الحليم بمثابة الصدمة على كل الأجيال التي أحبته وغنت أغانيه في أشد لحظاته فرحًا وحزنًا.
فأحدثت وفاته بلبلة في الوسط الفني ودهشة لكل محبي العندليب وهو ما شهدت عليه جنازته الأسطورية فلقد شيعه شعب مصر، إضافة إلى كل شعوب العالم العربي الذين طافت قلوبهم وعبرت كل الحواجز تبادله اللحن بالكلمة والحزن بالعبرة والحب بالهمسة.

أرقام في حياة العندليب..
ولد حليم في 21 يونيو عام 1929 وكان ترتيبه الرابع بين أخوته إسماعيل، ومحمد وعلية قضى حليم 26 عاما متربعًا على عرش الغناء في مصر والوطن العربي، منذ أن بدأ مشواره العام 1952.
قدم حليم 120 أغنية عاطفية و56 أغنية وطنية و16 فيلمًا، وكانت أغنية قارئة الفنجان أكثر الأغاني مبيعًا في الأغاني العاطفية، و"صورة" أكثر الأغاني الوطنية مبيعًا.
تعرض حليم طوال حياته إلى 22 نزيفًا من بينها نزيف تعرض له وهو يغني على المسرح، وأجرى خلال حياته 16 عملية جراحية بسبب إصابته بالكبد.
حقق فيلمه الأخير أبي فوق الشجرة إيرادات خيالية أثناء عرضه في دور السينما التي بلغت 10 دور عرض.
قبل شهرته، غنى العندليب في الفترة من 1950 - 1952 أكثر من أغنية، وإن كانت لم تنل الشهرة إلا فيما بعد ومن بينها أغنية ظالم ولقاء وبتقوللي بكرة.
يعتبر الشاعر مرسي جميل عزيز أكثر الشعراء تعاونًا مع حليم حيث قدم له 25 أغنية يليه محمد حمزة وحسين السيد فيما يعد الملحن محمد الموجي من أكثر الملحنين الذين تعاون معهم حليم حيث قدم له 47 أغنية، يليه بليغ حمدي بـ26 أغنية.
قدم حليم مسلسلاً إذاعيًا وحيدًا طوال مشواره هو "أرجوك لا تفهمني بسرعة" مع نجلاء فتحي وعادل إمام.