النبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ طويل يقول:
حديث علي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنته, فقال:
((المعرفة رأس مالي, والعقل أصل ديني, والحب أساسي, والشوق مركبي, وذكر الله أنيسي, والثقة كنزي, والحزن رفيقي, والعلم سلاحي, والصبر ردائي, والرضا غنيمتي, والعجز فخري, والزهد حرفتي, واليقين قوّتي, والصدق شفيعي, والطاعة حبي, والجهاد خلقي, وقرة عيني في الصلاة))
الكنزُ الذي لا يُقدّرُ بثمن هوَ ثِقَتُكَ باللهِ عزّ وجل، الكنزُ الذي لا يُقدّرُ بثمن بتقرير النبي عليه الصلاة والسلام, أن تكونَ واثقاً بالله، وقد وردَ في بعض الأحاديث:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلالِ وَلا فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ, وَلَكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ, وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا, أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ))
أنا أُتابعُ كلمة الثِقة، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((الثِقةُ كنزي))
أي الثِقةُ بالله عزّ وجل.
وإذا أردتَ أن تكونَ أغنى الناس فكُن بِما في يدي الله أوثقُ منكَ بما في يديك.
والحقيقة: الثِقةُ باللهِ عزّ وجل ثمرةٌ من ثِمارِ الإيمان, أو ثمرةٌ من ثِمارِ المعرفة, إذا عرفتهُ وثقتَ به
ماذا تستنبط من هذه القصة القرآنية؟ :
فأُمُ موسى عليه السلام ماذا قال الله لها؟ قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
[سورة القصص الآية: 7]
كلام غريب!! إذا خِفتِ عليه فألقيه في اليم: ائتني بامرأة من مليون امرأة, تضعُ ابنها في صندوق, وتُلقيه في النهر، لماذا ألقت أُمُ موسى وليدها الحبيب في النهر؟ لِثِقتها بأنَّ الله عزّ وجل سيحفظهُ.
لذلك:
﴿فإذا خِفتِ عليه فألقيه في اليمِ ولا تخافي ولا تحزني﴾
هذه ثقة النبي بربه :
سيدنا رسول الله كانَ مع أصحابهِ, وكانوا فقراء، ضعفاء، مقهورين، محتاجين, وكانت ثقتهم بربهم لا حدود لها.
لمّا التقى بهِ عُديِ بن حاتم, قالَ له: لعلكَ يا عُديُ بن حاتم, إنما يمنعكَ من دخولٍ في هذا الدين, ما ترى من حاجتهم, وايمُ الله! ليوشِكنَّ المالُ أن يفيضَ فيهم, حتى لا يوجد من يأخذهُ. واثق.
متى يقنط الإنسان ومتى يعصي ربه؟ :
هناك أسئلة تَرِدُ كثيراً: يا أخي إذا ما فعلت هذا أسرق؟ إن لم أضع المال في المكان الفلاني -مكان الشُبُهة والحرمة وكذا- ينسرق المال؟ هذه ثِقَتُكَ بالله؟ لأنكَ أطعتهُ ضيّعَ اللهُ مالك، إن لم أُعلّم ابنتي في الجامعة وفي المراحل العُليا تُطلق, فإذا طُلِقت لا بُدَ لها من عمل, فكرَ بطلاقِها قبلَ أن يُزوِجُها، تفكيرهُ في الطلاق قبلَ الزواج، هذه ثِقَتُكَ بالله؟ إذا ربيّتَ ابنتكَ تربيةً صالحةً طيبةً على طاعة الله, ظَنُكَ أنَّ الله سيأتيها بزوج, وأولُ ما يفعلهُ معها أنهُ يُطلقُها هكذا, هذه ثِقَتُكَ بالله عزّ وجل؟.
الموضوع واسع جداً، كُلُ المعاصي التي يقترفُها الناس لِضعفِ ثِقتهم بالله، كُلُ اليأسِ الذي يُصابُ بهِ الناس لِضعفِ ثِقتهم بالله، كُلُ القنوط حينما يطيعُ مخلوقاً ويعصي خالِقاً ضعيفُ الثِقةِ بوعدِ الله, رأى أنَّ إرضاء هذا المخلوق أثمنُ من رِضاءِ الله عزّ وجل، وأنَّ سخطَ هذا المخلوق أعظمُ عِندهُ من سخطِ الله، ليسَ واثِقاً بكلام الله، ولا واثِقاً بِما عِندَ الله من نعيمٍ مُقيم، ولا ما عِندَ الله من عذابٍ أليم. فلذلك: إذا ضغطنا الإيمانَ كُلَهُ, والمعرفةَ كُلَها, واليقينَ كُلَهُ بكلمة واحدة: إنها الثِقة، ولم يُبالغ النبي الكريم حينما قال: والثِقةُ كنزي.