عبد الرحمن الأبنودى صانع النجوم.. أعاد الروح لمحمد رشدى.. ومع عبدالحليم حافظ منحا الشعب الثقة بعد النكسة بـ"موال النهار".. ويعترف: لم أحب أم كلثوم.. ومحمد منير شقيقه فى الغربة.. والفنانات "عيون القلب"
عرفه الشعراء من قصائده وعرفوا اختلافه عن الموجود والمتاح والمتداعى، لكن باقى الشعب والصعاليك رأوه يشبههم يغنى لهم ويملأ مواويلهم بالشجن، عرفه الناس من شيئين مهمين، الأول الأغنيات العاطفية والوطنية التى كتبها وغناها كبار المطربين، وعرفه الفقراء من جمعه للسيرة الهلالية وسردها مع الفنان الشعبى «جابر أبوحسين».
وفى سيرته التى أعدها الكاتب الصحفى، محمد توفيق، ونشرت على صفحات وموقع «اليوم السابع» فى 8 حلقات مطولة خلال شهر نوفمبر من العام 2013، يحكى الأبنودى كثيرا عن علاقته بالفن والفنانين، مدركا للدور الكبير الذى قدمه للأغنية ومعترفا بالفضل الذى منحته له الأغنيات. البداية كانت عندما كان الأبنودى يسير بصحبة صديقيه صلاح عيسى وسيد خميس، فسمع أغنية فى الراديو فقال لهما «مش دى شبه الكلام اللى أنا كنت كاتبه فى الجورنال؟!» ثم سمعوا المذيع فى الراديو يقول «أغنية أنقذ قطنك.. غناء: فاطمة على.. تأليف: عبدالرحمن الأبنودى».
البحث عن «حس» محمد رشدى
هكذا كانت البداية لكن عبدالرحمن الأبنودى كان يدرك تماما أنه يحتاج إلى «حس» معين يعبر عن كلماته، لذا وقع اختياره على «محمد رشدى» الذى كان قد تعرض لحادث ويفكر بشدة فى الاعتزال، وكان محمد حسن الشجاعى مؤمنا بعبدالرحمن الأبنودى، لذا عرفه على بليغ حمدى وأصبحا صديقين. وعندما التقى الخال الأبنودى بمحمد رشدى قال له، وكان رشدى حزينا: ده زمنك أنت مش زمن عبدالحليم حافظ.. الملحن الكبير عبدالعظيم عبدالحق عندما قرأ «وهيبة» صاح «يا سلام! مين كتب دى؟» فردّ عليه حسن الشجاعى، عبدالرحمن الأبنودى، فقال له عبدالعظيم: «دا نَصّ ما حصلش»، فقال الشجاعى: «ما أنتو صعايدة زى بعض»!. بليغ حمدى دخل فى الدائرة مع عبدالرحمن الأبنودى ومحمد رشدى وتصدر الثلاثى رشدى وبليغ والأبنودى المشهد فى الساحة الفنية.
عبدالحليم يختطفه من الشعبى بعد النجاح الذى حققه الأبنودى مع محمد رشدى طلبه الفنان عبدالحليم حافظ وكان أول تعاون بينهما فى عام 1966، وكانت أغنية «الفنارة»، ثم جاءت أغنية «التوبة» مع بليغ، والمدهش أن الأبنودى، ذهب إلى الاستوديو، ولم يكن قد انتهى من كتابتها، لكنه ارتجلها وهو يجلس مع بليغ حمدى، يكتب «كوبليه» ثم يلحنه بليغ، وهكذا، حتى انتهت واحدة من أشهر أغانى حليم وبليغ والأبنودى. موال النهار.. وعودة الروح لمصر وبعد النكسة غنى حليم من كلمات الأبنودى «موال النهار» من ألحان بليغ حمدى وكانت «عدَّى النهار» مثل السحر، غيرت نفوس الناس، بل إنها كانت ترفع معنويات عبدالناصر شخصيًّا لدرجة أنه كان يتصل برئيس إذاعة صوت العرب ويسأله: «فين أغنية عدَّى النهار؟!». وبعد ذلك جاء النصر فى 1973 حدثت معجزة نصر أكتوبر، وكان التعاون الأخير بينهما «صباح الخير يا سينا»، ومات عبدالحليم ورثاه الأبنودى بقصيدة
«زمن عبدالحليم».
ويعترف: لم أحب أم كلثوم
ويعترف الأبنودى بأنه لم يحب «أم كلثوم» فعندما بشره بليغ حمدى «افرح يا عم.. أم كلثوم هتغنيلك». فردّ الأبنودى بهدوء: «هتغنيلى إيه؟». بليغ فَرِحًا: «بالراحة يا حبيبى». الأبنودى ساخرًا: «بقى أم كلثوم هتغنى أغنية اسمها بالراحة يا حبيبى أنت اتجنيت ولّا إيه؟!، صداقتنا كوم والأغنية دى كوم، أم كلثوم عايزة تغنى لى أكتب أغنية تليق بيها وبيَّا وبيك». بليغ مندهشًا: «طب أنا دلوقتى أقول لأم كلثوم إيه؟!». الأبنودى: «قول لها هاعمل حاجة تليق بيكى»، ورفض الأبنودى رفضا قاطعا وحاسما، وبرر ذلك قائلًا: «هذه الأغنية واحدة من الأغانى المسلية التى كنا نكتبها لإذاعة الكويت حتى تظل فى الظل بعيدا عن الأضواء، ولا يتم احتسابها علينا أمام الجمهور والنقاد، لكن أم كلثوم لم تغفرها للأبنودى، وشعرت أنه يرفض الغناء لها.
الفنانات.. عيون القلب
طلبت منه الفنانة الكبيرة نجاة كتابة أغنية لها فأهداها عيون القلب وكتب أيضًا للفنانة الكبيرة شادية واحدة من أجمل أغانيها وهى «آه يا اسمرانى اللون.. حبيبى يا اسمرانى»، وكذلك كتب للمبدعة فايزة أحمد أغنية «مال عليَّا مال». وحين ذهبت إليه الفنانة صباح كتب لها أغنية لم تعد تذكر أو تغنى سواها، بل تؤكد دائمًا أن هذه الأغنية هى تعبير دقيق يجسد تاريخ حياتها الفنية، وهى أغنية: ساعات ساعات ساعات ساعات أحب عمرى وأعشق الحاجات، الخال ظل نابضًا بشعره، وبكلمات أغانيه التى أثبتت أنها قادرة على الصمود، ومواجهة الزمن بانتصاراته وانكساراته، وبنجومه الجدد أيضًا. لعل أكثر فنان غنَّى من كلمات الخال هو على الحجار، فقد تعاونا فى أغانٍ كثيرة، منها أغانى تترات المسلسلات الأجمل فى تاريخ الدراما العربية. وقد حرص الحجار على تحويل عدد كبير من قصائد الأبنودى إلى أغانٍ مهمة، ومؤثرة، ومنها قصيدة «ضحكة المساجين» كذلك من أكثر الأغانى التى لمست قلوب الناس حين غناها على الحجار هى: ماتمنعوش الصادقين عن صدقهم.
محمد منير.. شقيق الروح والغربة يجد الأبنودى الصوت الأكثر تعبيرا عن حالته «الملك محمد منير»، لذلك ارتبطت صورة محمد منير الغنائية بصورة الأبنودى الشعرية، فكلاهما جاء من الجنوب مُحملا بمخزون ثقافى ثرى ومختلف. مما يلفت الانتباه، أن لقاء الأبنودى ومنير فنيا قد تأخر حتى عام 1989 فى ألبوم «شيكولاتة»، وهذه نقطة مثيرة وباعثة للتساؤل، فكيف لابنى البيئة المتقاربة التى تكاد تكون واحدة لم يشعرا بحاجة للاكتمال معا؟، وكيف «منير» لم تأخذه روحه لكلمات الأبنودى التى تعبر عن الغربة والحنين؟، وكيف أن الأبنودى لم يفكر فى أن يكتشف وقع كلماته على حنجرة محمد منير؟! وحدث اللقاء فى «شيكولاتة» وظهر الأبنودى بقوة فى أغنيات «مش جرى، شيكولاتة، كل الحاجات، بره الشبابيك،» وتحولت «بره الشبابيك» إلى تيمة تسمعها أينما وجهت سمعك، وفى ألبوم «ممكن» كانت له تجربة وحيدة بأغنية «الليلة دى»، وفى «يا أهل العرب والطرب» كتب «قلبى مايشبهنيش ويا حمام». لكن الأبنودى له تجربتان مهمتان جدا أثرتا فى تجربة محمد منير، الأولى هى ألبوم «حبيبتى» والتى هى أغانى مسلسل «جمهورية زفتى»، وقد كتبها الأبنودى جميعها، حيث أضفت هذه التجربة بكلمات الأبنودى على «منير» سمت «المطرب الرحال» الساعى خلف الحقيقة والمستعد لإفناء كل شىء من أجلها الذى يبحث عن الحق والعدل والجمال من خلال الأغنيات، بالإضافة إلى أن هذه التجربة اكتشفت مساحات مختبئة من صوت منير، حيث غنى «الموال»، وبالمجمل استفاد «منير» كثيرا من «هذه الأغنيات» والتى نوع فيها الأبنودى بين الغربة والارتحال، والأغانى الوطنية.
والتجربة الثانية كانت فى أغنية «يونس» من ألبوم «طعم البيوت»، بما تمنحه الأغنية من غربة وحنين، تجعلك تشعر بأنها تجربة شخصية لمحمد منير، وأنها أيضا تجربة شخصية لعبدالرحمن الأبنودى، كما أنها تترك إحساسا بالغربة لدى البسطاء الركاب فى القطارات الخربة فى انتظار مصائرهم الغامضة.
السينما.. الحوار الفارق
وكانت للأبنودى تجربة جديدة فى حوارات الأفلام ولعل فيلم «شىء من الخوف» هو الأكثر بقاء وتأثيرا فى هذه التجربة فالشخصيات تكلمت كما أراد لها الخال، وعبرت كما يرى، وتحدثت بما قاله لها، فقد كان مسؤولا عن تحفيظ الممثلين الكبار طريقة النطق السليمة للعبارات التى كتبها، ورغم أن الأبنودى كان الاتفاق معه فقط على أغانى الفيلم، لكنه تدخل وغير السيناريو كله ووافق حسين كمال، ومع هذا كان عبدالرحمن الأبنودى يرى أن كتابة السيناريو والحوار ليست مهنته وأنه «مجرد ضيف»، لكنه فى الوقت ذاته لم يَغِبْ عن المشهد.
فبعد فترة كانت فاتن حمامة قد قررت أن تصنع ثلاثة أفلام تستغرق وقت فيلم واحد، ووقع اختيارها على كتاب «المسرح والمجتمع» لتوفيق الحكيم، وبالتحديد على مسرحية «أغنية الموت» وقررت تحويلها إلى فيلم تليفزيونى، واتفقت مع المخرج سعيد مرزوق على أن يكتب الأبنودى السيناريو والحوار. وفى اليوم التالى اتصل مرزوق بالأبنودى وقال له: «فاتن حمامة تريد أن تراك»، وقالت له: اقرأ مسرحية أغنية الموت، واكتب السيناريو والحوار والأغنية، أريد نصا كاملا، وأنا سأقوم بدور «عساكر». وبعد ثلاثة أيام فقط كان الأبنودى قد انتهى من كتابة نص سينمائى وأُخِذت فاتن حمامة بهذا العالم الذى استحضره الأبنودى على الورق، وبقدرته على تحويل المسرحية إلى واقع من لحم ودم، وأصرت على أن يذهب معها إلى بيتها لتدريبها على طريقة النطق، ولتعرف منه طبيعة هذا العالم الذى لم تسمع عنه من قبل، بل إنها كانت ترفض بدء التصوير فى الاستوديو إلا إذا حضر عبدالرحمن الأبنودى، حتى أطلقوا عليه لقب «الخبير الأجنبى»! وطلب منه المخرج خيرى بشارة تحويل رواية صديق عمره الأديب يحيى الطاهر عبدالله إلى فيلم سينمائى، وكانت هذه الرواية هى «الطوق والإسورة» لكن الأبنودى لم يُعجب بهذه التجربة رغم جمالها، وثناء النقاد عليها. فقد كان يرى أن خيرى بشارة وقع فى خطأ كبير حين استعان ببعض فرق التمثيل بالأقصر لتحفيظ الممثلين، ولهجة الأقصر تختلف تماما عن تلك اللهجة التى كتبها الخال، بل إن الأبنودى يصر على أنه لم يفهم بعض الكلمات التى قيلت على لسان بعض الشخصيات رغم أنه كاتب الحوار. وتجربته الأخيرة كانت فى كتابة حوار مسلسل «وادى الملوك» المأخوذ عن قصة «يوم غائم فى البر الغربى» للأديب محمد المنسى قنديل، وكانت هذه هى التجربة الأولى للخال فى الأعمال الدرامية، بعد أن كتب السيناريو محمد الحفناوى، ورغم إشادة الجمهور والنقاد بالمسلسل، لكن الأبنودى قرر أن تكون التجربة الأولى والأخيرة.