العندليب الأسمر.. حليم.. هو ابن الثورة.. قامت الثورة على يديه من خلال أغانيه التي ألهبت المشاعر وأحيت الأحاسيس، هو من تغنى للثورة وإنجازات السلطة، فقد كان مطربا بدرجة موظفا ربطته السلطة بإحدى الدرجات الوظيفية كي يغني ويشدو للثورة وإنجازاتها وللقائد وحكمته وحنكته وعلى صوته المليء بالشجن والحزن عاش المصريون فترة من الزمان وهم يشعرون بالفرح والبهجة وقت الانتصار وهم أيضا يتالمون ويعتصرهم الألم وقت النكسة والهزيمة.
بدأ عبد الحليم حافظ وكأنه ولد ليغني للثورة وبدت الثورة وكأنها قامت من أجل صوته، وفي احتفالات الثورة بعيدها الأول أعلن فنان الشعب يوسف بك وهبي عن ظهور ذلك الصوت الجديد، بدأ الناس يعرفون عبد الحليم حافظ، كانت بداية الثورة بدايته الحقيقية في عالم الفن، لذا فهو يعتبر نفسه ابنا لهذه الثورة كما قال ووصفه الزعيم عند لقائه الأول، وأن نجمه ولد في ليلة عاش فيها الشعب يحتفل بثورته وبإعلان الجمهورية، وبدلا من أن يكون عبد الحليم مطرب الثورة أصبح دون أن يشعر مطربا لجمال عبد الناصر ومطربا للشعب.
غنى حليم 67 أغنية وطنية تعامل فيها مع أشهر الملحنين والكتاب، فقد لحن له كمال الطويل 23 أغنية وطنية وبليغ حمدي 7 أغان، والموجي 9 أغان، وعبد الوهاب 6 أغان، و6 أغنيات قام ملحنون آخرون بالتعاون معه فيها.
بعد إعلان الثورة وتعيين الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة، شدا حليم بأول أغانيه الوطنية وهي "احنا الشعب" عام 1956، وهي أول لقاء جمع بين حليم والموجي وجاهين، وعند وضع حجر أساس السد العالي أقامت الإذاعة المصرية حفلا لأضواء المدينة بمدينة أسوان غنى فيه حليم أغنية "حكاية شعب" التي لخصت حالة الشعب المصري آنذاك.
هو أول من تغنى باسم الزعيم والبطل جمال عبد الناصر، فغنى "ناصر يا حرية.. أبو خالد نوارة بلدي.. ريسنا ملاح ومعدينا عامل وفلاح من أهلينا.. ضربة كانت من معلم خلت الاستعمار يسلم".
وفي الاحتفال بالعيد العاشر للثورة، غنى حليم من كلمات أحمد شفيق كامل وتلحين الطويل أغنية "مطالب شعب" عام 1962 ثم أغنية "صورة" لصلاح جاهين وألحان الطويل.
وفي النكسة والهزيمة، غنى حليم 10 أغنيات عبرت عن حالة الحزن والانكسار التي أصابت الشعب المصري من وراء المفاجأة التي أصابتهم من هزيمة الجيش المصري، ويقول الراحل الأبنودي: "بعد حدوث النكسة أقمنا في مبنى الإذاعة أنا وحليم والطويل 3 أشهر متصلة، أنا أكتب الأغاني والطويل يقوم بتلحينها فورا"، وأضاف: "كنا مشفقين على الشعب من هول الصدمة، فجاءت الأغاني معبرة عن تلك الحالة، وحاولنا أن نرفع من معنويات الشعب بهذه الأغاني.. "ابنك يقول لك.. يا بطل.. اضرب.. بالدم.. أحلف بسماها وبترابها"، كما كانت أغنية "عدى النهار" من أهم الأغنيات التي جسدت حالة الحزن التي المت بحليم بعد حدوث النكسة.
كانت وطنيته عالية، فهو مهموم بآمال الأمة العربية، بل إنه أعقاب النكسة شعر بأنه هو المسئول ومعه صلاح جاهين عن حالة الانكسار التي أصابت الشعب فهو من هيأ الشعب ووعدهم بالنصر المظفر على أيدي القائد والزعيم والبطل المغوار، فكان قراره أن يغني بأغنية "أحلف بسماها وبترابها" إلى أن ترجع سيناء مصرية.
وفي نصر أكتوبر وعودة القناة، غنى "المركبة عدت" من كلمات مصطفى الضمراني ولحن الموسيقار محمد عبد الوهاب في احتفال مهيب أقيم بمدينة الإسماعيلية على ضفاف قناة السويس .
قوة حضور عبد الحليم حافظ في الوجدان المصري، كقيمة ورمز فنيين مازالت موجودة حتى اليوم، وبعد كل هذه السنوات صار "العندليب الأسمر" جزءا من الذاكرة الفنية المصرية والعربية، لكنه مازال حاضرا في الإعلام والدراما وسوق الأغاني، ومازالت دار الأوبرا المصرية تخصص له حفلات سنوية، يقدم فيها مطربون آخرون أغانيه.