وهكذا كانت أغنيات عبدالحليم تؤرخ للثورة كل عام عند قيامها من خلال هذه النخبة الوطنية من الشعراء والملحنين الكبار الذين استطاعوا مع عبدالحليم حافظ أن يضعوا أعظم خريطة للغناء الوطنيالذين تابعوا مسيرة الفنان الراحل عبدالحليم حافظ منذ قيام ثورة يوليو 1952 وحتي رحيله يتأكد لهم أنه الفنان الوحيد الذي استطاع أن يؤرخ قيام الثورة وإنجازاتها والأحداث التي مرت بها وكذلك الخطوات الإصلاحية التي قام بها زعيم الثورة جمال عبدالناصر وأن يحقق لبلاده وللشعب كثيرا من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بداية من قراره الشجاع بتأميم قناة السويس الذي كان بمثابة نقطة تحول في مسيرة الاقتصاد المصري بما تدره القناة من عائد اقتصادي كبير انعكست آثاره الاقتصادية علي الشعب المصري، ثم قراره الآخر الشجاع أيضا ببناء السد العالي وغيرها من القرارات الأخري وذلك من خلال هذه النخبة من كبار الشعراء والملحنين الذين عاصروه والتفوا حوله وكانوا من أكثر أبناء جيلهم من الفنانين إيمانا بالثورة ولا يقل حماسهم في دعمها وتأييدها ومساندة زعيمها جمال عبدالناصر في كل خطواته وأقصد بهم زملاء رحلته الفنية من الشعراء الكبار صلاح جاهين وأحمد شفيق كامل وحسين السيد ومرسي جميل ومأمون الشناوي وغيرهم وكبار الملحنين يتقدمهم الموسيقار الكبير كمال الطويل وشريكه الأول في مسيرة الثورة، وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ومحمد الموجي وبليغ حمدي ومحمود الشريف ولا ننسي رفيق رحلته أيضا الموسيقار أحمد فؤاد حسن رئيس الفرقة الماسية التي كانت تصاحبه في الحفلات التي كان يعدها لأعياد الثورة وتنقلها الإذاعة المصرية علي الهواء من نادي الضباط بالزمالك ويحرص علي تقديمها الإذاعي الملهم الراحل جلال معوض صاحب الصوت العبقري الذي يستهويك عندما تستمع إلي تقديمه لكلمات الأغنية التي يعدها عبدالحليم خصيصا للاحتفال بعيد الثورة كل عام لتذاع في ليلة 23 يوليو من كل عام وينتظرها كل عشاق صوت عبدالحليم ويحرص الزعيم جمال عبدالناصر علي حضور هذا الحفل ومعه معظم رجال الثورة في هذا اليوم المشهود.
وأستطيع في هذه الرؤية أن أعرض نماذج من الأغنيات العظيمة التي كان عبدالحليم يؤرخ بها مسيرة الثورة وإنجازاتها والأحداث التي مرت بمصر وفي مقدمة هذه الأغنيات ـ حكاية شعب ـ بمناسبة بناء السد العالي والتي صاغها الشاعر الراحل أحمد شفيق كامل ويروي فيها عبدالحليم قصة بناء السد العالي والتحديات التي واجهت لبناء السد ورفض البنك الدولي منحه أي دعم أو تمويل لبنائه مما جعله يعلن علي العالم أجمع قرار جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية حيث تضمن النص الغنائي لحكاية السد هذا القرار الذي أذهل العالم، وكانت الجملة اللحنية التي صاغها كمال الطويل معبرة أصدق تعبير ويصف فيها القرار بأنه ضربة كانت من معلم إلي آخر الأغنية التي بدأها عبدالحليم وهو علي المسرح بقوله عن السد ـ الحكاية مش حكاية السد ـ هي حكاية الكلام الذي حدث وراء السد.. هي حكاية شعب وثار وكانت ثورته ضد الاستعمار. موضحا في بعض أجزاء الأغنية قوله ـ راح علي البنك اللي بيساعد ويدي. قاله حاسب، مالكوش عندي ــ إلي أن وصل إلي الجملة الشعبية التي رددتها معه الجماهير في كل انحاء مصر. قلنا ح نبني وادينا بنينا السد العالي". ويأتي بعد ذلك أغنيته الشهيرة بستان الاشتراكية التي تتحدث أيضا عن النهج الاشتراكي الذي سارت عليه مصر واحتضان مصر لطبقة الفلاحين ومحدودي الدخل واضعا عبدالناصر كما جاء في سياق الأغنية فتقول عنه "ريسنا فلاح ومعدينا. عامل وفلاح من أهالينا" وغيرها من الأغنيات الأخري التي ظل بها عبدالحليم يؤرخ لمسيرة الثورة منذ بداية رحلته الغنائية وجسد فيها إنجازات الثورة وستظل من الكنوز الغنائية الرائعة التي تزخر بها مكتبة الإذاعة المصرية والتليفزيون والفضائيات.
ولا ننسي أيضا أغنيته العبقرية التي كتبها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل وكانت الأغنية الرئيسية التي رددتها الجماهير مع ثورة الشباب في 25 يناير باعتبارها من أجمل الأغاني التي قدمتها الإذاعة وأقصد بها أغنية "صورة صورة كلنا كدة عايزين صورة" والتي أخرجها التليفزيون إخراجا جديدا بلقطات حية من ميدان التحرير، وتشعر وأنت تستمع إلي كلماتها وكأنها مكتوبة لثورة يناير رغم أن عبدالحليم غناها من حوالي نصف قرن وهذه هي عبقرية صلاح جاهين الذي يكتب الأغنية الوطنية التي تصلح لكل زمان حيث يقول: "صورة صورة صورة. كلنا كدة عايزين صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة صورنا صورنا يا زمان. ح نقرب من بعض كمان إلي أن يقول واللي ح يبعد م الميدان. عمره ما يبان في الصورة. فتشعر بأنه يتحدث عن ميدان التحرير ولكنه في الحقيقة يتحدث عن ميدان العمل والإنجاز ودوران عجلة الإنتاج التي يجب أن يشارك فيها كل الشعب وهي نفس الدعوة التي يدعو إليها الآن المجلس الأعلي للقوات المسلحة كل فئات الشعب إلي العمل وزيادة الإنتاج بدلا من الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية وهكذا كانت أغنيات عبدالحليم تؤرخ للثورة كل عام عند قيامها من خلال هذه النخبة الوطنية من الشعراء والملحنين الكبار الذين استطاعوا مع عبدالحليم حافظ أن يضعوا أعظم خريطة للغناء الوطني كانت هي الزاد الحقيقي الذي أشبعنا وأثري وجداننا ونحن نتابع ثورة شباب 25 يناير وجاءت أغنيات ثورة يوليو لتجسد نفس المعني والأهداف الوطنية المصرية العظيمة.