ظل عندليب الصحافة محمود عوض وهو واحد من أشهر الصحافيين والكتاب المصريين ميتا في بيته يومين دون ان يكتشف أحد وفاته، إلا بالصدفة عندما لم يذهب لموعده مع أحد الأطباء.
عوض من جيل الصحافيين الرواد في مصر الذين رافقوا مسيرة التوأم الصحافي علي ومصطفى أمين ونبغت موهبته وتفتحت في صحف أخبار اليوم التي أسساها في أربعينيات القرن الماضي.
وشيعت جنازة محمود عوض الأحد 30-8-2009 من جامع عمر مكرم في القاهرة، وتم دفنه في مقابر عائلته بمحافظة الدقهلية.
وكان أحد أصدقائه لاحظ أنه لم يذهب لموعده مع أحد الأطباء مساء السبت الماضي لعلاجه من كدمات أصيب بها بسبب انزلاقه وسقوطه أرضا، فذهب هذا الصديق مع صديق مشترك آخر ويعمل صحافيا إلى منزله للاطمئنان عليه، ففوجئا بأن صحف الجمعة ملقية كما هي أمام الباب، فاستدعيا الشرطة في الساعة الواحدة فجر الأحد، حيث عثر عليا ميتا أمام غرفة مكتبه.
كان عوض خلال عقود القرن الماضي مركز دائرة واسعة لنجوم السياسة والصحافة والفن، تمتع بعلاقات مميزة مع صانعي القرار في تلك المرحلة وتولى مناصب قيادية صحافية نجح فيها، منها الفترة التي تولى فيها رئاسة تحرير صحيفة "الأحرار" المعارضة في أوج توهجها، وكانت مقالاته وموضوعاته تنشر بانتظام في صحيفة "أخبار اليوم" عندما كانت توزع أكثر من مليون نسخة في عهد مصطفى أمين، وله العديد من الكتب التي زينت المكتبة العربية السياسية والانسانية.
جامع أسرار عبدالحليمتميز عوض بصداقة مع المطرب الراحل عبدالحليم حافظ، جعلته ينفرد بالكثير من أسراره وتفاصيل حياته. وتتلمذت على يديه أجيال صحافية عديدة، لكن المشهد تغير في السنوات الأخيرة.
وضاقت من حوله الدائرة الاجتماعية، ولم تتذكره سوى صحيفة "اليوم السابع" بالمقال الذي كانت تنشره له، وكان أكثر المقالات قراءة فيها، رغم عدم معرفة الأجيال الجديدة من القراء به.
واستضافته منذ شهور الاعلامية انجي علي في برنامج جماهيري بقناة "دريم" الفضائية حيث تحدث عن ذكرياته وخبطاته الصحافية وعلاقاته بعالم السياسة والصحافة والفن.
ولد الراحل الكبير بمدينة طلخا المجاورة للمنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، وعمل لسنوات طويلة بجريدة أخبار اليوم، ولقبه إحسان عبد القدوس بـ"عندليب الصحافة"، كما كان من نخبة الكتاب المختارين فى كبريات الصحف العربية مثل الحياة اللندنية والرياض السعودية والاتحاد الإماراتية، وكتب للإذاعة المسلسل الوحيد الذى قدمه عبد الحليم حافظ وهو "أرجوك لا تفهمنى بسرعة".
وأذاعت إذاعة "الشرق الأوسط" المصرية هذا المسلسل في اكتوبر/تشرين أول عام 1973، خلال شهر رمضان، وهو المسلسل الاذاعي الوحيد الذي قام عبدالحليم حافظ ببطولته، وصاحبت ذلك حينها ضجة إعلامية كبيرة.
عوض شرط موافقة "حليم"كانت الانفرادات الاذاعية تتم في ذلك الزمن خلال شهر رمضان من كل عام كما يقول الكاتب المصري سعيد الشحات، مثل ما يحدث الآن بين قنوات التلفزيون الأرضية والفضائية.
واستعدادا لشهر رمضان عام 1973، اشتد الصراع بين الإذاعى الكبير وجدى الحكيم، والمخرج الإذاعى الراحل والرائد محمد علوان، حول من يفوز بمذكرات أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، فاز وجدي بمذكرات أم كلثوم، وخسر علوان مذكرات عبدالحليم، لكنه فاز بقول عبدالحليم له، إنه سيقوم ببطولة مسلسل للإذاعة فى شهر رمضان، وحتى لا تضيع الفرصة أسرع علوان بالذهاب إلى عبدالحليم، وفي يده عقود الإذاعة، وكان لعبد الحليم شرط واحد أن يكتب محمود عوض قصة المسلسل، وكتب مع توقيعه نصا يقول: "على أن يقوم بكتابة المسلسل الأخ محمود عوض".
وكان ذلك تقدير منه بأنه أمام موهبة كبيرة، لها حساسية مختلفة عن كل صداقات عبدالحليم من كبار الكتاب والأدباء، والتي كونها منذ بدء شهرته الفنية، وتربعه على عرش الغناء العربي مع أم كلثوم.
وسجل الدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص لـ عبدالحليم حافظ، شهادته عن علاقة الاثنين قائلاً: كان "حليم" يقدر الكاتب الصحفي محمود عوض، ويضعه في مكانة خاصة منذ أن عرفه، والحق أن "حليم" تمنى أن يكون كتاب محمود الثالث عن أقطاب الفن، كتابا عن شخصه بعد أن كتب محمود كتابين، عن محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم،.
ويقول الشحات في مقاله الذي نعى فيه الكاتب الراحل بجريدة "اليوم السابع " إن الفنان فريد الأطرش يذهب إلى نفس مسعى عبدالحليم مع محمود عوض، ووصل به الأمر إلى إرسال شيك على بياض إليه لكن محمود رفض.
النجوم في بيت عوضكانت هناك جلسة كل يوم أربعاء في بيت مصطفى أمين تجمع نجوم الصحافة بنجوم الفن وفي مقدمتهم ام كلثوم وعبدالحليم حافظ ورياض السنباكي وبليغ حمدي من الفنانين، ومن الصحافيين أحمد بهاء الدين واحسان عبدالقدوس ومحمود عوض والتوام على ومصطفى أمين وغيرهم من كبار الصحافيين في ذلك الزمن.
وكانت هناك جلسة اخرى تجمعهم في بيت محمود عوض، ويقول عنها "بيتى وقتها كان شقة صغيرة بحى العجوزة فى القاهرة، وهى بالدور الرابع بغير أسانسير، والضيوف القادمون فى كل مرة كبار فى فنهم وبسطاء فى صحتهم، ثم إن المكان لايتسع لأكثر من عشرة مقاعد، وبقدرة قادر يتسع المكان أكثر وأكثر، البعض جالس على الأرض، فى مقدمتهم عبدالحليم والبعض يتحرك إلى الشرفة، والبعض لايجد مكانا إلا فى المطبخ.. للشاي والقهوة والبوتاغاز (مصانع حربية بخمسة وعشرين جنيها وقتها)، ومع ذلك تستمر الجلسة حتى الفجر الغناء أقلها، والحديث فى الأدب والفن والسياسة أكثرها".
من أشهر كتب عوض السياسية، ذلك الذي بحث في أسباب نكسة يونيه/حزيران 1967 وهو كتابه "ممنوع من التداول" الذى ألقى الضوء على الكيفية التى يفكر بها قادة إسرائيل.
ويتذكر الدكتور هشام عيسى - حسب ما جاء في مقال سعيد الشحات - أنه وأثناء حرب أكتوبر، كان مسؤولا عن إمداد الجيش بالدم، ووقع أحد زملائه الأطباء أسيرا لدى القوات الإسرائيلية، وبعد عودته سأل دكتور هشام: "هل تعرف الكاتب محمود عوض؟ أجابه عيسى: "نعم، لماذا تسأل عنه"؟ قال له الطبيب الأسير: "الإسرائيليون وجهوا لى عدة أسئلة خلال الأسر، كان آخرها سؤال يقول: "هل يوزعون عليكم كتب محمود عوض من باب التوجيه المعنوى للقوات المصرية؟