كتب العباس السكرى
25 سنة رحلة عمر العندليب عبد الحليم حافظ الفنية، الرحلة التى ربما يكون اختلط فيها الرضا بالغضب، والصبر بالجزع، والمعرفة بالجهل، والذكاء بالغباء، حتى أصبح أسطورة تتحدث عنها الأجيال، وترغب فى السير على طريقته الصادقة، لكن صدق العاطفة لا يورث، وإنما يولد فى جنبات الإنسان تماما كالألم يولد مع الحياة، ورغم مرور 35 عاما على رحيله اليوم، إلا أن صوته مازال حيا.
ولعل الموعود بالعذاب ظل طيلة حياته مؤمنا بنظرية "لا يصنع الإنسان العظيم، سوى ألم عظيم"، لذلك استطاع أن يهزم يأسه بالصبر ويستنشق أنفاس الأمل بطموح وتحدى وإصرار لإثبات موهبة باتت تراوده وتهز أعماقه.
إن حنجرة عبد الحليم حافظ بمثابة الثروة الفنية لملايين الآذان فى أنحاء العالم، والمايسترو الذى يفرد عصاه ليعزف على أوتار القلوب، ولعل الثورات العربية التى اندلعت فى ربوع الوطن العربى دليلا على صوته الذى أشعل حماس ثوار ثورة يوليو 52 وثوار ثورة يناير 2011 بباقة أغانيه الوطنية التى حول كلماتها بأدائه الوطنى الصادق إلى طلقات نارية وسهاما وسيوف تشق صدور الحكام الفاسدين والمحتلين.
إن روايات الحب فى حياة العندليب كثيرة والشائعات عن زواجه أكثر، وقد أسهب الدكتور هشام عيسى، فى تكذيب كل شائعات زواجه وكذلك المصور الراحل فاروق إبراهيم الذى سجل حياة عبد الحليم بالصور إضافة إلى صديقه الصحفى الساخر فؤاد معوض.
وكان الشاعر الغنائى الراحل محمد حمزة روى لى آخر قصة حب فى حياة عبد الحليم حافظ، والتى اعترف له بها العندليب، كانت فتاة فى السابعة عشرة من عمرها، وكان حليم صديقا لجدها الوزير وبلغ الحب مبلغه لدرجة كان يذهب إلى جدها بصفة مستمرة ليشاهدها، وحاول محمد حمزة وبليغ حمدى عندما كانا مع العندليب بلبنان فى إبعاده عن تلك القصة، لكنه رفض واعتزم أن يتقدم لخطبتها، لكن قبل أن ينطق فاجأته الفتاة بقولها "أنا اتخطبت هتغنى بفرحى يا عمو"، وكانت صدمته الأخيرة عندما تبين حقيقة مشاعرها نحوه، حيث اعتبرته بمكانة الأب وليس الحبيب، بعدها اختار العندليب قصيدته الأخيرة "حبيبتى من تكون" للشاعر خالد آل سعود ليعبر بها عن نفسه بعدما قرأ مقطع القصيدة الذى يقول "صغيرتى أنا لن أقول شيئا وأبدا أبدا لن أقول.. فحرصى عليكى كحرص نفسى على الحياة لكى تطول".
كان حليم يقدم فنا متكاملا برؤية خاصة فى أفلامه وأغانيه، وحول الأغنية العاطفية إلى سيناريوهات درامية تحلق بخيال العاشقين كرائعة "فاتت جنبنا" التى كتبها حسين السيد ووضع موسيقاها محمد عبد الوهاب، ورائعة "حاول تفتكرنى" التى وصف فيها رحلة الحب والشك والذكريات، وكانت كلماتها تتطاير على جبين الذكريات، وتروض نوتات القلب العاطفية، خاصة مقطع "إن مقدرتش تيجيى تانى.. ونسيت زمانى ونسيت مكانى.. ابقى افتكرنى حاول حاول تفتكرنى".
وكانت آخر محطات العندليب الفنية التى رحل ولم يكملها رائعة "جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا عايزين إيه.. مشاوير نمشيها بخطاوينا، نمشيها فى غربة ليالينا يوم تفرحنا ويوم تجرحنا وإحنا ولا إحنا عارفين ليه جينا، وزى ما جينا جينا، ومش بأيدينا جينا، زى ما رمشك خد لياليا حكم وأمر فيها وفيا، ولقيت بيتى قلبك ده، وعيونك ديا، ولقيت روحى فى أحضان قلبك بحلم واصحى وأعيش على حبك، عارف ليه من غير ليه يا حبيبى بحبك".
فى ذكراه أترحم عليه وأذكره ولعل وفاته فى "مارس" دليل على أن مارس شهر الأحزان والأوجاع، كما كان يعتقد الإنسان المصرى القديم.