ونحن نستعد للاستفتاء على دستور مصر الجديد نتذكر ما حدث فى الدستور السابق من حيث تشكيل لجنته وصياغته وطريقة الانتهاء منه سريعا وأطلق على هذه الطريقة فى حينها (سلق الدستور) فى ليلة واحدة وحتى الاستفتاء عليه ونسبة التوافق عليه.
وكما هو معروف أن أى عمل بشرى لن يصل للكمال؛ لأن الكمال لله وحده، ولكن يكفينا وضع المبادئ التى تضمن حقوق وحريات جميع طوائف الشعب والابتعاد عن المواد المبهمة وغير المعروف هدفها أو كيفية تأويلها.
وفى البداية كان تشكيل اللجنة يعبر عن تنوع المجتمع المصرى واختلافه وكل عضو فى اللجنة كان يمثل طائفته ولا يوجد فيهم من يحمل هويتين أحداهما مستترة والأخرى ظاهرة ولا يوجد من يرتدى قناع جماعة أخرى، ولم يظهر على أعضاء اللجنة الميل للانتقام من فصيل معين بسبب ظروف أو مواقف سياسية معينة، وكذلك لم يقع الدستور فى (فخ) الشخصنة أو التعبير عن موقف أو ظرف سياسى معين – كما حدث فى الدستور السابق – فلم نجد مواد لا تتوافق مع المبادئ الدستورية نفسها كقانون العزل أو التحصين لبعض الهيئات لخدمة أهداف معينة ولا تمييز بأى صورة سواء كان سلبيا أو إيجابيا، ولكن تم الحث على إعطاء الحق فى التمثيل لكل طوائف الشعب دون تحديد (كوتة) معينة، ولم نجد مواد شخصية تقصد أفراد أو تقويض هيئات بعينها.
وقد راعى مشروع الدستور التأكيد على الحريات والحقوق بشكل واضح صريح دون التطرق لمواضيع جانبية أو زرع ما سمى بـ(المواد المفخخة) التى لم نكن نعلم ما المقصود منها ولكن اتضحت – فيما بعد – سوء النية من وضعها.
وقد حدد هذا المشروع تعريف ومهام هيئات ومؤسسات تم الجدل حولها كثيرا مثل: الهيئات القضائية (المحكمة الدستورية، والقضاء الإدارى، ومجلس الدولة، ومهنة المحاماة) والقوات المسلحة والشرطة دون مبالغة ولا انتقاص من حقوقها أو واجباتها تجاه الشعب.
وقد حقق مشروع الدستور التوازن المطلوب للمؤسسات الدينية كالأزهر الشريف من حيث التأكيد على دوره واستقلاليته وحقوق رجاله دون إقحامه فى أمور لا علاقة له بها كما حدث سابقا، وكذلك حقوق أصحاب الديانات السماوية (المسيحية واليهودية)، حيث تم التأكيد على حقوقهم دون انتقاص ودون صبغ الدولة فى المقابل بصبغة دينية، وبإلغاء مجلس الشورى – الذى لم يكن معروف له مهام غير التحكم فى الصحف وتصعيب إنشاء الأحزاب – تم التخلص من عبئه المادى والمعنوى والسياسى.
أما أعضاء اللجنة فكانوا متماسكين ومترابطين حتى آخر يوم لهم، وقد ظهر هذا فى اليوم الختامى لهم وفرحتهم بإنهاء مشروع، وهذا دليل على تماسك محتوى مشروعهم، فقد عانينا كثيرا من انسحاب أعضاء لجنة وضع الدستور المعطل وتجاهل اللجنة لذلك والتصميم على إنهاء دستور مشوه يعبر صانعوه عن فصيل سياسى واحد.
وأما الجدل الذى أثير حول (ديباجة الدستور) وتغيير جملة (حكمها مدنى) إلى (حكومتها مدنية)، فرغم أن سبب تغيير هذه الجملة غير مفهوم حتى الآن وخصوصا مع النص أن الدستور مع ديباجته وحدة واحدة لا تتجزأ، ولكن الروح العامة للدستور تطمئنا أن هذا التغيير لن يؤثر فى مسار الدولة ولكننا تمنينا ألا يتم مثل هذا الأمر ولا أن يتم اختتام هذا المشروع بفعل يشوبه بأى شبهة مستقبلية.
ومن مميزات الدستور أيضا، إننا بدأنا به قبل أى انتخابات برلمانية أو رئاسية حتى يقسم الرئيس القادم وأعضاء مجلس النواب القادمين على احترام دستور قائم فعلا، وليكون الرئيس القادم منتخب وهو عارف بصلاحياته ودوره.
فدستور مصر الجديد هو أمل جديد يجعلنا نأمل فى عبور هذه المرحلة لمرحلة جديدة أكثر استقرار ورخاء