عبد الحليم حافظ : "خوفت من الحب
تواصل "فيتو" نشر مذكرات عبد الحليم حافظ "أسرار حياتي" يقول العندليب الأسمر في الحلقة الثالثة:
سألني الطبيب عن الأغنية التي تلخص قصة حب في حياتي.. فبدأت أغنى «في يوم.. في شهر في سنة.. تهدي الجراح وتنام.. وعمر جرحي أنا أطول من الأيام.. وداع يا دنيا الهنا.. وداع يا حب يا أحلام.. وعمري جرحى أنا أطول من الأيام".
أنا مقتنع تمامًا أن الغناء نوع من التمثيل والإنسان منا يتخانق مع نفسه طول النهار، والأغنية هي استراحة من خناقة الإنسان مع نفسه.
أذكر أول خناقة كبيرة مع نفسي.. عندما كذبت في الملجأ لأحكي قصة حب مع سيدة في الثلاثين وقلت للأولاد إنها احتضنتني ؤأنها قبلتني وأنها تنتظرني خمسة أعوام حتى نتزوج.
ضحك الأولاد وسخروا منى وأطلقوا عليّ «حبيب نعيمة» وهذا هو اسم بطلة قصة حب في الخيال.. وكان هناك ابن لهذه السيدة موجود معنا والأولاد قالوا له فضربني علقة ساخنة ولأول مرة يضربنى أحد ولا أرد عليه.. أحسست براحة لأن هناك شخص انتقم لأمه.. ووسط البكاء قلت له أنا كاذب.
تحكم الغناء في علاقتى بالمرأة.. أنني أعرف حقيقة أنني لا أثق تمامًا في المرأة، وهناك جانب من الشك القاتل ليس سببه أنا.. لكن طبيعة تكويني فأنا أحس أن المرأة دائمًا يمكن أن تموت.
أمي ماتت مني، ولهذا فالغناء هو اقتراب من المرأة التي أمثل عليها ولها.. وعندما أدخل في علاقة صداقة مع امرأة فإن هناك نوعًا من التوجس الخفي الذي يملئوني وابدأ في الغناء، إن الغناء ينسيني الشك القديم وكانت رحلتي في الغناء تنبؤ مستمر مني بعلاقتي مع المرأة.
لا أنسى أبدًا موقف «ليلى» التي أحببتها.. المرأة التي أخلصت لها وماتت دون أي سبب بعد أن أخترنا معًا البيت.. كنت أحس أنها تنضم إلى عالم الخيانة وأصبح غنائي بعد ذلك هو اقتراب من المرأة وخوف منها.
لا أحد يعرف أننى أنظر إلى الكلمات التي اختارها في أية أغنية لأجد منها هذا الموقف، الرغبة في المرأة والخوف منها.. أحلام كثيرة.. ودموع كثيرة لكن حزنى ليس واقفًا في مكانه، أنه حزن يمشي، ويخرج بي من عالم الخناقات الخاصة.
لا يمكن لرجل أن يعيش دون امرأة لكني كنت دائمًا أخاف أن تتطور أيه علاقة بيني وبين أيه واحدة، أنني أسحب البساط دائمًا من تحت كلمة أحبك.. لأنى أعرف أن الغناء وراء هذه الكلمة.. لذلك حولت قلبى إلى «ملعب عاطفي» كما قال لي الطبيب النفسي.
المرأة التي تملؤني تمامًا غير موجودة.. التي تحتضن كل أحزاني وأحلامي.. وأخشى أن تكون موجودة حتى لا تتعرض لأي قدر سيئ.. ثم أنني أصبحت أخاف الحزن.. هل تعرف الحزن الذي يصيبني عندما أفقد من أحب؟
إنني أحس أن كل شيء بلا طعم، وزهق رهيب يتملكنى ولا أعرف كيف استقر في مكان ودموعى تقف تحت جفونى طوال الوقت وأشعر أن الحياة يجب أن تنتهي لأترك المسائل العاطفية تصل إلى مرحلة الاكتمال ولهذا أترك الحب بتزحلق بين يدي.