قَدُكَ المياس يا عمرى .. بليغ وحليم
مصطفى الضمراني
توثقت العلاقة بين عبد الحليم حافظ وبليغ حمدى بعد الأغنيات الناجحة التى قدماها معا ً وحققت انتشارا ً واسعا ً وفاز فيها الشاعر الغنائى الزميل محمد حمزة بنصيب الأسد وبلغت هذه العلاقة قمتها لدرجة أن أول اتصال تليفونى يجريه عبد الحليم بعد استيقاظه من نومه يكون لبليغ يسأله عن اللحن
الذى أوشك على نهايته وتحديد موعد البروفات ونفس الشئ بالنسبة لبليغ لا يمر يومان دون أن يطمئن على صحته خاصة بعد شكواه المتكررة من نزيف المعدة الذى كثيرا ً ما يداهمه مرتين فى الأسبوع ويتصل حليم بصديقه مجدى العمروسى مستشار صوت الفن ليتصل بطبيبه الخاص ( د. هشام عيسى ) الذى سرعان ما يحضر لعلاجه من حالة النزيف ويستريح بعدها ويبدأ البروفات مع الفرقة الماسية بقيادة الموسيقار أحمد فؤاد حسن وحضور بليغ وحمزة ، حدث هذا فى رائعته الشهيرة « مداح القمر» وكنت شاهد عيان عندما كان عبد الحليم يتحامل على نفسه فى البروفة التى تستمر حوالى 3 ساعات، يومها أبلغت الكاتب الكبير والصحفى المبدع كمال الملاخ بهذه الحالة فأبلغ صديقه كبير مصورى الأهرام إميل كرم الذى حضر فى اليوم التالى والتقط بعض الصور لعبد الحليم الذى كان يغنى وهو جالس على كرسى متحرك ونشر الملاخ الصورة فى بابه الشهير «من غير عنوان» على ثلاثة أعمدة التى كانت سببا ً فى سؤال عشرات من محبى العندليب سائلين عن صحته وكانت أيضا ً سببا ً فى تشوقهم لرائعته « مداح القمر « التى استهلها محمد حمزة ببعض الشطرات قبل الوصول إلى الموشح الشهيرالذى غناه عبدالحليم وحقق نجاحا ً مدويا ً « عاشق ليالى الصبر مداح القمر .. عشق العيون السمر غوانى السهر .. لولا النهار فى جبينك .. لولا الورود فى خدودك .. لولا الأمان فى وجودك .. ما كنت هويت ولا حبيت .. ولا حسيت بطعم الحب ياعمرى « . ثم يبدأ فى غناء الموشح « قدَُكَ المياس يا عمرى أيقظ الإحساس فى قلبى ... أنت أحلى الناس فى نظرى .. جلّ من سواك يا عمرى «، ويكرر حليم المذهب عدة مرات فى البروفة قبل الدخول فى الكوبليهات، وأذكر أن هذا اللحن الذى تفوق فيه بليغ على نفسه خاصة بعد أن انضم النجمان الشابان إلى الفرقة الماسية وشاركا فى اللحن من أوله حتى نهايته ( مجدى الحسينى على الأورج وعمر خورشيد على الجيتار ) وأعطى وجودهما مع الفرقة مذاقا ً خاصا ً للحن وحققا معا ً نجاحا ً مبهرا ً فى الحفل الذى كان قد تأخر عن موعده بعد انتهاء البروفات كاملة ولكن النزيف الحاد فى المعدة داهم عبد الحليم بشدة مما اضطره للسفر للعلاج بمستشفى لندن كلينك يرافقه صديقه مجدى العمروسى وطبيبه الخاص د.هشام عيسى ليعود حليم بعد أن تماثل للشفاء ليحدد موعد الحفل الذى نقلته الإذاعة والتليفزيون على الهواء
وأعاد عبد الحليم الكوبليه الأول مرتين بناء ً على رغبة الجمهور وانفعاله بالنقلات الموسيقية والإيقاع الجميل الذى أبدعه بليغ خصوصا ً فى المقطع الذى يقول» عينى يا عينى .. عينى عليكى .. كل القلوب بتدوب حواليكى .. أنا لوحدى بأشوفك بعيون غير عيون الناس .. وأحبك بكل ما فى القلب من إحساس .. بشوف الحزن متدارى ورا الضحكة اللى فى عينيكى .. وباسمع فى رنين صوتك شجن .. وياريت اللى كتير وصفوكى .. كانوا يخدوا عنيا يشوفوكى .. وكانوا بقلوبهم حبوكى زى ما حبيتك أنا وقلبى « إلى أن ينتهى الكوبليه الثانى والثالث وينتقل عبد الحليم إلى الموال الذى تجلى بليغ فى تلحينه ليصل إلى نهاية الأغنية « ومشيت يا ليل مشوار طويل .. ولا قلت مرة مستحيل الذى أثار إعجاب الجمهور وطلب إعادته أيضا ً « موال عاشق .. بقيت موال .. وقصتى بتنقال للناس وللعاشقين .. قالوا فى الموال قالوا عن اللى صبر ونال .. ومشيت يا ليل مشوار .. ولا قلت مرة مستحيل ..» ويصفق الجمهور ويطلب إعادة مقطع « مشيت عالشوق ما رجعنى .. لحد الحب ما طاوعنى .. وبقيت أنا والحلو حكاية .. عمر ما ها يبقلها نهاية .. طول ما أنتى يا حبيبتى معايا ها تنور لى أيام عمرى .. قدك المياس يا عمرى .. أيقظ الاحساس فى قلبى .. إنت أحلى الناس فى نظرى .. جل من سواك يا عمرى ..» . وأتذكر هذه الرائعة الغنائية التى أبدع كلماتها الشاعر الرقيق محمد حمزة وكان عبدالحليم من كثرة إعجابه باللحن قبل أن يستهل الغناء قال عبارته الشهيرة ( وكنت شاهدا ً على ذلك ) « أقدم لكم الموسيقار بليغ حمدى أمل مصر فى الموسيقى « وصفق له الجمهور تصفيقا ً مدويا ً إعجابا ً وتقديرا ً من جانبه لملحنه المفضل بليغ حمدى . وتناولت الصحف ما قاله حليم فى أكثر من مرة وكان لحن «مداح القمر « يستحق هذه الإشادة من عبد الحليم لبليغ وأجمع معظم النقاد فى ذلك الوقت على أن بليغ يستحق هذه الإشادة بالفعل وكنت واحدا ً من أصحاب هذا الرأى .
أما الحكاية الأهم التى أرويها بمناسبة مداح القمر وتستحق اهتمام الإعلامية الكبيرة صفاء حجازى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون أن أغنية مداح القمر تمت كتابتها فى مسلسل درامى منذ ٧ سنوات، ويتناول قصة بليغ منذ بداية اكتشاف أم كلثوم له ملحنا ً مبدعا ً وقدمته للجمهور فى أغنية « حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه « مرورا ً بمواقفه الوطنية كأول ملحن يدخل الإذاعة مع عبور أكتوبر1973 ويسجل أغانى النصر وقام الموسيقار ميشيل المصرى باختيار أشهر ثلاثين لحنا وطنيا وعاطفيا لبليغ حمدى تغنى به نجوم الغناء فى مصر والوطن العربى وانتهى من كتابة هذه الألحان وتوزيعها واستغرق منه هذا العمل عامين كاملين ولكن هذا المسلسل الذى يخرجه مجدى أحمد على لم يخرج حتى الآن للنور وظل حبيس أدراج مدينة الإنتاج الإعلامى، ولا نعرف مصيره حتى الآن رغم أن حكاية الموسيقار بليغ حمدى ووطنيته تستحق أن يشاهدها الملايين